الدبيبة مشغولاً بهاتفه في سيارته الفارهة، لهذا لا يرى تهالك الطريق الساحلي شرق طرابلس

0
197

كان عمر، البالغ من العمر 22 عاما، ينتظر والده في العاصمة الليبية طرابلس، ليأخذه من مكان عمله ويعود به إلى البيت، لكنه تلقى مكالمة هاتفية من عمه، ليخبره أن والده تعرض لحادث سير في الطريق الساحلي، وعليه أن يجد طريقة للعودة إلى البيت بأسرع وقت. 

ويقول عمر، طالب الكيمياء سابقاً، في تصريحات لصحيفة “الشاهد”: “لم أعرف كيف أفكر وماذا أفعل، تجمدت مكاني، ولم أستطع أن أخذ أي قرار، حتى ساعدني رب العمل، وقام بإرجاعي للبيت لأجد الجميع هناك يبكون، علمت حينها أن والدي توفى متأثرا بجراحه إثر الحادث”.

عمر شاب ليبي بسيط، يمثل الآلاف من شباب ليببا، كان يعمل في أحد المقاهي بوسط طرابلس, ويعيش بالقرب من مدينة القره بولي الساحلية، قرابة 58 كيلو متر شرق العاصمة، بعد أن ترك دراسته لمساعدة والده في إعالة العائلة. 

يعمل الآن عمر كبائع خضروات في الطريق الساحلي شرق طرابلس، بعد أن توفي والده منتصف العام الماضي، ويقول وتبدو عليه علامات الحزن: “أعلم أن ماحدث لوالدي هو أمر الله، ولكن الطريق غير ممهد ومهمل ولا توجد إنارة، وكل يوم نسمع عن حالات الوفاة والحوادث، أين الحكومة وأين أموال النفط؟”.

وبحسب تصريحات لوزير النفط والغاز, محمد عون، فإن ليبيا العضو في الأوبك، لديها 48 مليار برميل من احتياطيات النفط الخام، و52 تريليون قدم مكعبة (1.47 تريليون متر مكعب) من الغاز الطبيعي.

وأضاف عون: “عائدات النفط، التي تشكل 95٪ من دخل ليبيا، يجب استثمارها في البنية التحتية وتطوير المدن والصحة والتعليم”.

ويبلغ الإنتاج الحالي من النفط في ليبيا، قرابة 1.3 مليون برميل يوميا، وتضع المؤسسة الوطنية الليبية للنفط خططا، تهدف إلى 1.45 مليون برميل يوميا، في الربع الأول من عام 2022، وإلى 1.6 مليون في غضون عامين، وإلى 2.1 مليون في غضون أربع سنوات، لكنها قالت إن ذلك يحتاج استثمارات بنحو 18 مليار دولار.

وتتجه الأنظار إلى أفريقيا بشكل عام، خاصة بعد الأزمة العالمية بين روسيا وأوكرانيا، وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية وعددا من الدول الأوروبية مقاطعة الغاز والنفط الروسي، وإلى ليبيا خاصة نظرا لإنتاجها الوفير من النفط، بالإضافة إلى قربها من الشواطئ الأوروبية، حيث تبلغ المسافة 300 إلى 350 كيلومترا مما يقلل من قيمة النقل.

“رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، يذهب ويعود، إلى مسقط رأسه مصراته، من خلال هذه الطريق لما يقارب عن العام، لم يفكر يوما في إصلاحه، في يوم من الأيام، رأيته وهو يجلس في سيارته الفارهة، وينظر لهاتفه، فعرفت السبب أنه لا يرى حالة الطريق المتهالكة، وبالتأكيد لن يشعر بالحفر، لأن سيارته حديثة”، هذا ما قاله عمر أمام طاولات خشبية قديمة، يضع عليها خضروات وفواكه، مصدر رزقه الوحيد.

وأضاف عمر: “أبي كان متقاعد ومعاشه كان يتأخر حتى أربعة أشهر، ما أضطرني للتوقف عن الدراسة، كنت أدرس الكيمياء لأنني أحبها, وقررت العمل في أي وظيفة للحصول على النقد وإعالة أهلي”.

كان عمر يتقاضى مرتب كبائع “سندوتشات” في مقهى وسط طرابلس 50 دينار يومياً، يخرج مع والده في تمام الخامسة والنصف صباحا، ليصل إلى المدينة مبكرا، ويبدأ في العمل الساعة السابعة والنصف، يبقى والده يعمل على سيارته “الأجرة” حتى يحين موعد رجوع عمر.

“في أوقات الشتاء والأمطار القوية، كنت أتأخر عن العمل بسبب خوفنا من السرعة في القيادة، أحيانا ما كنت أكسبه في ثلاثة أيام نصلح به إحدى إطارات السيارة، بسبب كثرة الحفر في الطريق المتهالك”، هذا ما أضافه عمر وهو يبيع بعض من الفواكه للمارة.

ويقول عمر، إن والدته طلبت منه التوقف عن العمل، وعدم الذهاب إلى طرابلس، حتى لا يستعمل الطريق الساحلي ولا تخسره، وأنهم سيكتفوا بمعاش والده وما تجنيه هي من بيع الخبز وما يجنيه هو من بيع الفواكه.

وفي جولة لصحيفة الشاهد بالطريق الساحلي شرق العاصمة طرابلس, كشفت صورا تم التقاطها، عن أن الطريق متهالك وغير آمن، ويخلو من أعمدة الإنارة، مما يصعب كثيرا القيادة عليه بعد غروب الشمس، وتوجد بوابات لجماعات مسلحة على جانبي الطريق، وحتى أعمدة الإنارة الموجودة متهالكة وآيلة للسقوط، قمامة متكدسة، وحفر كبيرة، ولا توجد علامات توضيحية أو عكاسات الإضاءة. 

يقول بائع شاهي في الطريق الساحلي: “يوميا نسمع عن حوادث أليمة, وللأسف لا ينجو الكثير منها بسبب صعوبة هذا الطريق المهمل من الدولة، خسرت أبناء عمي الثلاثة في الأعوام السابقة بسبب خطورة الطريق”.

وفي حوار مع رجل أعمال من مدينة زليتن, فضل عدم ذكر اسمه لظروف أمنية، قال: “اضطررت لنقل تجارتي من طرابلس إلى مدينة زليتن، تفاديا للقيادة في هذا الطريق الكارثي، تعرضت لحادث شنيع مرتين، وكانت النتيجة كسور في جسمي”.

ويقول التاجر، إن زوجته طلبت منه أن ينهي العمل في طرابلس بدلا من العيش على تلقي أخبار حزينة.

وبينما كان عمر منهمك في بيع الخضروات, يقول أحد المواطنين: “نسمع فقط إيرادات النفط والغاز بالمليارات، لكن كل هذه الأموال تذهب إلى جيوب الفاسدين والمسئولين، وليس لتقديم الخدمات للمجتمع, الطرقات تعبد من بقايا النفط, ونحن الطرق لدينا متهالكة، وهذا أكبر دليل أن من يحكمون فاسدين ويجب محاكمتهم”.

أنجزت عدة كيلو مترات في مدينة الخمس، وبتوسعة الطريق فقط، ولكن لم يتم تركيب أعمدة الإنارة، ويقول متابعون إن الفساد المالي في عقود الشركات المنفذة، هو السبب الرئيسي في عدم تطابق معايير شبكات الطرق.

ويقول موظف في ديوان وزارة المواصلات, امتنع عن ذكر اسمه حتى لا يتعرض للطرد أو المسائلة، إن الوزير الحالي محمد سالم الشهوبي، يعقد اجتماعات دورية مع عمداء البلديات، لمناقشة تنفيذ شبكة الطرق، ولكن لا يتم وضع جدول للمشروعات وتنفيذها بشكل جدي.

ويضيف: “يحضر السيد الشهوبي الاجتماع، ويلتقط بعض الصور، ويُنشر بعدها خبر مقتضب لا توجد به أي تفاصيل، مكتفيين بعناوين عريضة بأنه تم مناقشة هذا وذاك دون أي فائدة”.

تقول إحدى المواطنات، وهي تشتري الشاهي مع زوجها من بائع في الطريق الساحلي، إنها تزور أهلها في مدينة الخمس مرة في الشهر، وينتابها الخوف طوال الرحلة بسبب حالة الطريق.

“أزور أهلي يوم الخميس صباحا، وأقضي الليلة هناك حتى لا نعود في الليل بسبب الظلام وحالة الطريق سيئة، ونعود صباح الجمعة لنفس السبب”، هذا ما قالته المواطنة وهي تشير بيدها إلى مركبات نقل كبيرة، تسير بسرعة كبيرة دون أي مراعاة لبقية المركبات أو معايير المرور, مُستطردة: “أتمنى أن تأتي حكومة تخاف الله في الشعب وتصلح هذه الطرقات”.

تعرض رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، عبدالحميد دبيبة، الذي تم تنصيبه في حوار سياسي، بدعم من الأمم المتحدة، لموجة من الانتقادات الغاضبة، بسبب الشبهات حول عقود تنفيذ بعض الطرقات داخل العاصمة طرابلس، بقيمة قاربت الـ 5 مليارات دينار ليبي، وبالأخص بعد أن أغرقت مياه الأمطار طريق عين زارة الذي نفذته الحكومة خلال العام الماضي. 

وتشتكي أغلب مدن ومناطق ليبيا من إهمال الطرق غير المعبدة، التي تتسبب في حوادث سير تودي بحياة المواطنين، أو فقدان التواصل بهم كما حدث مع العديد من عائلات بمدن الجنوب، التي تحاول أن تصل للخدمات غير المتوفرة في مدن شمال ليبيا.