شدد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، على أن العدالة لا يمكن أن تكون مجرد قيمة أو فكرة، بل يجب أن يشعر بها الشعب الليبي.
جاء هذا في إحاطة كريم خان، لمجلس الأمن الدولي، اليوم الأربعاء، عبر تقنية الفيديو من العاصمة الليبية طرابلس، وهي الأولى لأي مدع عام للمحكمة من الأراضي الليبية.
وقال خان، إنه زار موقع في ترهونة حيث رأى “مشهداً بائساً” لصناديق معدنية أُجبر الناس على دخولها والعيش في “حالة مروعة للغاية”، بما يرقى إلى “اللاإنسانية المحسوبة”.
كما ذكر أنه زار مزارع تحولت إلى مقابر جماعية ومواقع لطمر النفايات “حيث ألقيت الجثث دون مراسم (الدفن)، مشيداً بعمل خبراء الطب الشرعي الليبيين الذين أزالوا أكوام القمامة بما في ذلك “الكلاب والماعز النافقة” للعثور على الجثث، التي وصل عددها الآن إلى 250 جثة، لم يتم التعرف على الكثير منها.
ولفت خان، إلى أنه التقى بعائلات الضحايا في ترهونة الذين سردوا قصصاً مفجعة تؤكد أن الالتزام بتحقيق العدالة “ليس فكرة مجردة، إنها حقاً مهمة للغاية”.
وأشار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى التعب الذي لمسه من الليبيين في جميع أنحاء البلاد الذين يتساءلون عما يفعله المجتمع الدولي لتحقيق العدالة، وأضاف قائلا: “الضحايا يريدون إظهار الحقيقة. يريدون أن تُسمع أصواتهم، ويريدون أن يتم البت في الادعاءات قانونيا من قبل قضاة مستقلين وحياديين”.
وشدد على أن المجتمع الدولي لا يمكنه السماح “بأن ينتشر شعور بأن الإفلات من العقاب أمر لا مفر منه”، مشيراً إلى أن خارطة الطريق الجديدة التي تبلورت في تقريره الصادر في أبريل من شأنها أن تعطي نتائج وشفافية أكبر لعمل المحكمة الجنائية الدولية.
وأبرز خان، أهمية الشراكات التي تؤتي ثمارها بالفعل، قائلاً إن لمكتبه الآن وجوداً منتظما في المنطقة لأول مرة منذ عام 2011، فيما تم جمع مجموعة متنوعة من المواد الاستدلالية من خلال 20 بعثة قام بها المكتب إلى ستة بلدان في الفترة الأخيرة.
وفي سبتمبر، انضم مكتب المدعي العام إلى فريق تحقيق مشترك حول الاتجار بالبشر، مما أدى إلى نقل ثلاثة أفراد رئيسيين من إثيوبيا إلى المحاكم المحلية في إيطاليا وهولندا، والذين تجري محاكمتهم الآن لمزاعم تتعلق بالتهريب البشر، بما في ذلك التعذيب والاستعباد.
وشدد على أن المحكمة الجنائية الدولية “ليست محكمة عليا، ولكنها مركز. وعلينا العمل معاً للتأكد من وجود مساحة أقل للإفلات من العقاب وجهود أكبر للمساءلة”.
وأعلن المدعي العام أنه تم تقديم طلبات أخرى بأوامر القبض إلى القضاة المستقلين في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه لم يخوض في التفاصيل بسبب الطابع السري لتلك الطلبات.
وقال إنه سيتم تقديم المزيد من طلبات الاعتقال التي تمثل “نموذجاً جديداً للعمل” من قبل مكتبه، مؤكداً أن هذا الزخم المتزايد لم يكن ليتحقق إلا بالشراكة مع أصحاب المصلحة في ليبيا، ولا سيما عمل رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي.
ولفت خان، إلى لقاءاته بالمسؤولين في شرقي البلاد، بما في ذلك القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر.
وقال: “سواء كان المرء من الشرق أو الغرب، سواء كان من الشمال أو من الجنوب، سواء كان قائدا عسكريا أو رئيسا مدنيا، هناك حظر مطلق لارتكاب جرائم تدخل في اختصاص المحكمة. وهناك التزام أساسي يتردد صداه منذ نورمبرغ، وهو أن القادة العسكريين أو الرؤساء العسكريين يجب أن يمنعوا، ويجب أن يقمعوا، ويجب أن يعاقبوا الجرائم عند ظهورها”.
وفي الختام، روى خان قصة أم شكرت الله وأكدت قبولها بقضائه لرحيل ابنها، إلا أنها تريد فقط أن تعرف ماذا حدث له وأين هو حتى تتمكن من دفنه، فرد عليها بعبارة: “إنا لله وإنا إليه راجعون”.
وشدد المدعي العام على أن قصة هذه امرأة تظهر ما تعنيه العدالة، وقال: “إنها في الحقيقة لا تتعلق بالسلطة. لا يتعلق الأمر بالأقوياء. يتعلق الأمر بأولئك الذين يريدون فقط الحصول على الأساسيات، والعيش بسلام، وعندما يعانون من الخسارة، [يريدون] معرفة ما حدث والحصول على قدر ضئيل من العدالة لأن حياة أحبائهم كانت أهم شيء في العالم بالنسبة لهم.”
وقال خان, إن تحقيق العدالة “ليس بالمهمة المستحيلة” إذا أقيمت شراكات جديدة، وإذا كان الجميع على استعداد “للالتحام حول القيم الإنسانية، وليس فقط القواعد القانونية”، وتمنى أن يساعد ذلك في أمل أكبر لتحقيق سلام مستدام في ليبيا.