يعد وزير الداخلية السابق بحكومة الوفاق المنتهية ولايتها، فتحي باشاغا، أول الليبيين الذي أعلنوا نيتهم الترشح لرئاسة البلاد، حيث أكد في مارس الماضي نيته خوض السباق الانتخابي المقرر إجراؤه في ديسمبر المقبل.
وبدأ فتحي باشاغا، الاستعدادات للانتخابات باكراً، حيث تعاقد مع شركة أمريكية للدعاية والعلاقات العامة للترويج له مقابل 50 ألف دولار شهرياً حتى يناير 2022.
وقال باشاغا، في تصريحات صحفية لـ”فرانس برس” الشهر الجاري، إنه سيضع الأمن والإصلاحات الاقتصادية على رأس أولوياته في حال تم انتخابه.
كما عكف فتحي باشاغا، خلال الأشهر الماضية، على عقد لقاءات عديدة مع الأطراف الفاعلة داخل وخارج ليبيا لكسب تأييد سياسي.
لم يكن اسم فتحي باشاغا، المولود في عام 1962 بمدينة مصراته غرب ليبيا، متواجد على الساحة السياسية حتى عام 2010، فبعد تخرجه من الكلية الجوية برتبة ملازم ثان طيار مقاتل، اختير ضمن 5 ضباط للاستمرار بتدريب الطلبة، وبقى فيها إلى أن استقال من السلاح الجوي عام 1993، ليتجه إلى مجال تجارة الإطارات، حتى قامت الثورة الليبية في عام 2011.
بعد سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، تشكلت وقتها ما يعرف بـ “اللجنة القضائية” وهي اللجنة التي استدعت الضباط العاملين والمستقيلين لتكوين لجنة عسكرية، ليصبح بعدها فتحي باشاغا، عضوا بالمجلس العسكري مصراته.
وعمل فتحي باشاغا، منسقاً لحلف شمال الأطلسي “الناتو” عام 2011 في ليبيا خلال الأحداث التي أدت إلى إسقاط نظام معمر القذافي، وناطقاً باسم المجلس العسكري لـ “ميليشيات مصراته”، وبدأ من وقتها حلمه بالسيطرة على الحكم في البلاد.
استمر فتحي باشاغا على هذا المنوال حتى حدثت الفاجعة وتورطت ميليشيات تابعة له في مجزرة “غرور” عام 2013، عندما أطلقت النيران على المتظاهرين السلميين وقتلوا 47 ضحية وأصابوا 518 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة من بينهم شيوخ ونساء، ليختفي باشاغا من المشهد حتى لا يتم ملاحقته اجتماعيًا وقانونيًا.
عاد فتحي باشاغا، للظهور في عام 2014، ولكن هذه المرة خلف ستار سياسي، حيث انتخب عضوًا عن مصراته لمجلس نواب 2014، إلا أن السياسة في ذلك الوقت لم تحقق له المراد، فقام بتأسيس وتمويل ميليشيات فجر ليبيا، وفي الخفاء أصبح هو من يسير حكومة خليفة الغويل، حتى جاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق وينتهي دور باشاغا رسمياً.
عاد طموح السلطة لفتحي باشاغا مرة أخرى، واستغل عضوية مجلس النواب عن مصراته وعلاقته بميليشياتها، وهدد بحرب دامية في طرابلس للحصول على اعتمادات من حكومة الوفاق، وبالفعل حصل عليها، حتى أنه أبرم اتفاق مع إحدى الميليشيات للسيطرة على مقاليد حكم طرابلس وقصف أحياء العاصمة بالمدفعية، لكن محاولاته باءت بالفشل، واتحدت القوى في طرابلس ضده ليخرج خالي الوفاض.
استعان فتحي باشاغا بالأمم المتحدة لإدخاله في الحكومة، وفي أكتوبر عام 2018، عيّن فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، فتحي باشاغا وزيراً للداخلية، خلفاً للعميد عبد السلام عاشور، في خطوة وصفها البعض حينها بأنها تستهدف ترضية مصراته، والبحث عن ثقل عسكري لدعم موقف المجلس الرئاسي الضعيف في ذلك الوقت.
استمر توغل فتحي باشاغا في حكومة الوفاق لنهب أموال الليبيين، وتعاقد مع شركات أمن وهمية وشركات ملابس وسيارات بمبالغ خيالية، ودعا أمريكا لإقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، وهاجم ميليشيات النواصي وبعدها أراد التودد بهم، ليطرد من محور عين زاره وتتجدد مشاكل باشاغا.
كان فتحي باشاغا، أول من دعا إلى التدخل التركي في ليبيا، وقال في عام 2019 إنه من الوارد أن يطالب بتدخل أنقرة في ليبيا لوقف تقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة، داعياً إلى ضرورة استقدام الأسلحة والمعدات الثقيلة من تركيا للاستمرار في القتال العسكري.
بعد توقيع حكومة الوفاق الاتفاقية الأمنية مع تركيا أواخر العام الماضي والتي بموجبها، جلبت أنقرة الآلاف من المرتزقة السوريين، استغل باشاغا ورقة المرتزقة السوريين للاستقواء بها من أجل الوصول إلى كرسي الحكم، إلا أن الموازين بأكملها انقلبت عليه، بعد ما اتهمته ميليشيات زوارة والجميل ورقدالين وصبراتة والزاوية التابعة لفائز السراج، بإثارة الفتن بين ما أسمتها “ثوار المنطقة الغربية”، وطالبت السراج بوضع حد لممارساته ضدهم.
تزامن انقلاب الميليشيات الموالية لفايز السراج على فتحي باشاغا، مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية في طرابلس ضد فساد حكومة الوفاق، وازدادت وتيرة التظاهرات في شهر أغسطس الماضي، وواجهتها ميليشيات حكومة الوفاق بالقمع وإطلاق الرصاص الحي ضد المتظاهرين.
وأثناء زيارته إلى تركيا في أغسطس قبل الماضي، أوقفه السراج عن العمل، وأمر بإخضاعه للتحقيق الإداري أمام المجلس الرئاسي، خلال أجل أقصاه 72 ساعة، لاتهامه بعدم توفير الحماية للمتظاهرين. لكن باشاغا لم يبد انزعاجاً فيما يبدو أنه كان يعتمد على الدعم التركي في صراعه مع السراج.
عاد باشاغا من تركيا في يوم 29 أغسطس وقبل خروجه من المطار كان في استقباله أكثر من 300 آلية مسلحة، وعدد من قادة الميليشيات المسلحة وإرهابيون متورطون في جرائم بشعة بحق الليبيين، أبرزهم علي العدولي، والقيادي الميليشياوي بشير خلف الله الشهير بـ«بالبقرة»،، إضافة إلى ضباط من وزارة الدفاع التركية المتمركزين في قاعدة معيتيقة.
عاد فتحي باشاغا إلى عمله بعد أن خضع لتحقيق إداري ونشرت حكومة الوفاق في يوم 3 سبتمبر قراراً برفع الوقف الاحتياطي عنه وعودته لمباشرة مهامه، ولم يقدم القرار أي تفاصيل حول التحقيق مع الوزير ونتائجه.
وكشفت تقارير ديوان المحاسبة الليبية خلال عمل فتحي باشاغا بوزارة الداخلية جملة من المخالفات المالية، حيث تعددت التهم الموجهة له بتوقيع عقود لاستيراد أسلحة مع شركات تركية، فضلا عن إسناد مناقصات لبيع سيارات هونداي إلى الوزارة لشركة ترجع تبعيتها لنجله.