حَكمت حكومة الوفاق ليبيا عدة سنوات، ومرت فترة حُكمها للبلاد بعدة مراحل ومحطات، كانت فارقة في حياة الليبيين، ولكن بالسَلب، فعلى الرغم من أن تلك الحكومة كان الغرض من اختيارها هو تحسين الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلاد لحين الوصول لسُلطة دائمة، إلا أنها كانت بمثابة الباب الذي دخل منه الخراب إلى ليبيا.
عاش الشعب الليبي في تلك الفترة أسوأ فترات حياته، انهيار في الخدمات وانعدام للأمن، وفُتحت أبواب البلاد أمام المُعتدين والغزاة الجُدد، وتحولت طرابلس لولاية تركية، يحكمها أردوغان عن بُعد ويتخذ فيها القرارات بعد أن أحكم قبضته عليها وعلى من كانوا يحكموها وقتها، ورغم ذلك كان يأمل الشعب في الحصول على أبسط حقوقه، وكان أحد تلك الحقوق هو الكهرباء.
خَدعت حكومة الوفاق، ورئيسها فائز السراج، الشعب الليبي، وأوهموهم أن أزمة الكهرباء ستُحل في محاولة لإسكاتهم، فوقعت الشركة العامة للكهرباء، منذ 3 سنوات، عقداً لإنشاء محطتين لتوليد الطاقة الكهربائية في كل من طرابلس ومصراته، مع شركة سيمنس بمقر وزارة الخارجية الألمانية في برلين، وحضر فائز السراج الاتفاق وباركه.
وقع على العقد كل من رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء وقتها المهندس عبدالمجيد حمزة، والمدير الرئيسي التنفيذي لشركة سيمنس جوزيف كيسر، بحضور وزير الخارجية الألماني نائب المستشارة زيغمار غابرييل، وأعضاء الوفد الليبي المرافق للسراج وعدد من مسؤولي شركة سيمنس.
بارك “السراج” ذلك الاتفاق، وأكد أن ذلك المشروع سيمثل نقلة في مجال الكهرباء في ليبيا، وزعم مكتبه في بيان رسمي إن القدرة الإنتاجية لمحطة توليد الكهرباء في طرابلس المزمع إنشاؤها تبلغ نحو 690 ميغاوات، بينما ستبلغ القدرة الإنتاجية لمحطة مصراته نحو 640 ميغاوات، مؤكدا أن التعاون مع الشركة الألمانية لن يقتصر على هاتين المحطتين، بل سيكون هناك مشروعات أخرى في ليبيا.
نزلت تلك الأخبار على الشعب، وكأنها طوق نجاة لأزمات الكهرباء التي لا تنتهي في البلاد، خاصة وأن معظم المناطق في الغرب الليبي، لا يوجد بها كهرباء ويعيش أهلها على الشموع، وبالتأكيد أثر ذلك على المستشفيات والوحدات الصحية وكافة المرافق التي تعتمد اعتمادا كليا على التيار الكهربائي المستمر.
ولكن، مع مرور الوقت، انتظر الشعب الليبي أن يتم الشروع في إنشاء تلك المحطات التي ستحل مشكلاتهم، إلا أنهم اكتشفوا أنها كانت مجرد خدعة لإسكاتهم فقط، وأيقنوا أن من فتح أبواب بلادهم للمحتلين ومرتزقتهم وقواتهم العسكرية، ومن مول واحتمى بالميليشيات، لن يأتي من وراءه خير مهما تكلم ووعد.
اليوم بعد مرور 3 سنوات على هذا الاتفاق، يعيش الغرب الليبي في ظلام دامس، تيار كهربائي غير مستقر وبعض المناطق لا يصل لها التيار من الأساس، وفي ظل انتشار فيروس كورونا وتفشيه بقوة في ليبيا، تحتاج المستشفيات في مجهودها الطبي لمواجهة الوباء للكهرباء أكثر من أي وقت مضى.
مباركة فائز السراج على الاتفاق، ووعوده بإنشاء المزيد من المشروعات الجديدة لتحل أزمة الكهرباء، كفيلة وحدها بإحالته للنائب العام للتحقيق معه في عدة اتهامات أهمها إهدار المال العام في اتفاق لا وجود له من الأساس، بالإضافة إلى استغلال سلطته لتضليل الشعب وخداعه.