امرأة تهدد شاب في محطة وقود: “ستختفي ولن يُسمع عنك” في فوضى طرابلس الليبية

0
156

طرابلس|| ”لو اتصلت بالردع ولا النواصي، أنت ستختفي”.. هذا ما هددت به امرأة في نهاية الثلاثينات من عمرها أحد الشباب، وهي تقود سيارتها في إحدى محطات الوقود في العاصمة الليبية طرابلس.

وجاء تهديد المرأة بعد أن تسببت في دهس سيارة أثناء دخولها للمحطة غير مبالية بالطابور الطويل في انتظار التزود بالبنزين.

وفي مقابلة مع صحيفة “الشاهد”، يقول شاهد عيان، فضل استعمال اسم (عبدالله) تفادياً للانتقام، وأنه كان يرغب في التزود بالبنزين وقرر الوقوف في محطة تتبع شركة نفط ليبيا والتي تم إنشاؤها حديثاً في طريق شط الهنشير المحادية للبحر في مدينة طرابلس.

يقول (عبدالله): “كالعادة ومنذ سنوات لابد من الوقوف في طابور لا يقل عن كيلو متر للحصول على البنزين في طرابلس. وذهبت بعد الساعة الثامنة إلى محطة شط الهنشير الجديدة وكان الطابور يتحرك بسلاسة”.

وأضاف: “قبل وصولي إلى بوابة دخول المحطة التي كانت محددة ببعض الإطارات القديمة لمنع دخول إي شخص لا يقف في الطابور، قامت امرأة طويلة القامة ومعها ابنها في العاشرة من عمره بالدخول بشكل سريع داخل المحطة من جهة اليسار أما السيارة التي كانت تسبقني في الطابور دون طلب الإذن أو تنبيه السائق ما اضطره بسرعة إلى ان يقود السيارة الى جهة اليمن لتفادي سيارتها”.

وتابع (عبدالله) أن سيارة السائق تعرضت للتهميش من الجانب الأيمن بسبب بعض الخراسانات التي لم يراها بسبب الظلمة.

وبعد أن دخل كلاهما للمحطة للتزود بالبنزين توجه السائق التي دهست المرأة سيارته لمعرفة السبب الذي دفعها لهذا الفعل، ولكن اكتفت المرأة بالنظر بتعابير وجه استفزازية دون أن تعتذر له.

ولأن للمرأة في الدول العربية، وبالأخص في ليبيا، حالة استثنائية تمنعها من الدخول في حوار مع الرجال في الطرق العامة من أجل إيجاد حلول اذا تعرضت لحادث سير, دائماً ما يطلب منها التواصل مع أحد أفراد عائلتها، وهذا ما قام به السائق الذي وقع عليه الضرر من المرأة، ولكن قال (عبدالله): “فجاة انفجرت المرأة في وجه الشاب وبدأت بالتهديد والوعيد باستعمال ألفاظ نابية وغير أخلاقية”.

“أنا إذا قمت بالاتصال بمن أعرفهم في النواصي أو الردع، أنت ستختفي ولن يسمع عنك أبداً”.. هذا ما قالته حرفياً وهي تتحدث بالهاتف مع أحدهم، يقول (عبدالله).

النواصي والردع، اثنان من بين خمسة مليشيات مسلحة تسيطر على العاصمة طرابلس، وتقسم نفوذها داخل المدينة إلى مربعات أمنية لتفادي التصادم بين أفرادها. تتمتع هذه المليشيات بشرعية من وزارة الداخلية من الحكومات المتسابقة منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي. شرعية هذه الجماعات تنحصر في الحصول على مرتبات أعضاء المليشيات ولكن تعمل وفق قوانينها الخاصة والتعسف والبلطجة.

“قدمت نصيحتي للشاب الذي دُهست سيارته أن ينسحب من الموقف حتى لا يتعرض لأي خطر ممكن تسببه تلك المرأة بعد أن هددت بالاتصال بالميليشيات والتي من الممكن أن لها علاقة وطيدة بهم”.. أضاف (عبدالله) وهو في حالة غضب أنه “لم يبق للعدالة مكان في مدينة تحكمها ميليشيات”.

وانتقل مراسل صحيفة الشاهد للمحطة للإطلاع على حركة العمل ولاحظ أن سكان منطقة سوق الجمعة وشط الهنشير يرفضون الوقوف في الطابور بل يدخلون جميعهم من باب خروج المحطة غير مبالين ببقية المواطنين الواقفين في الطابور.

ويقول أحد عمال المحطة: ”لا نستطيع إيقافهم ولا نستطيع حتى طلب توفير سيارات تأمين للمحطة لأن ذلك سيتسبب في إقفال المحطة ونحن نسعى جاهداً أن يتزود الجميع بالوقود”، مضيفا: “السكان هنا يعتقدون أن وجود المحطة داخل النطاق الجغرافي لمنطقتهم هو حق أصيل لهم بكسر القوانين وعدم احترام النظام والوقوف في الطابور”.

وتحدث مراسل الشاهد إلى أحد الأشخاص بعد أن دخل عكس اتجاه الطابور: ” لماذا لا تقف في الطابور؟”.. فكان الرد السريع من الشاب وهو يحمل سلاح في حزام سرواله وسيارته معتمة نوع تايوتا كاميري: “نحن الدولة.. نحن رجال هذه المنطقة ولا يوقفنا أحد”.

ويتكرر هذا المشهد في العاصمة طرابلس، وهي موطن لحكومة انتقالية جديدة نصبتها بعثة الامم المتحدة مؤخراً في ما أسمته (ملتقى الحوار السياسي الليبي) في جينيف من أجل الوصول إلى انتخابات المزمع عقدها في ديسمبر \ كانون الأول القادم.

وكانت العاصمة تعيش في حالة من الفوضى وغياب الامن أثناء حكم إدارة فائز السراج في حكومة الوفاق الوطني التي استمرت منذ مارس \ آذار 2016 المنبثقة عن اتفاق أخر “الصخيرات”.

يقول شاهد عيان: “كنت يوماً في محطة بنزين في منطقة بن عاشور بالقرب من مبنى حكومة السراج، ودخلت سيارة معتمة الزجاج بالطريقة العكسية للتزود بالبنزين وعارض أحد المواطنين تصرفهم مما أدى إلى ضربه وإهانته أمام الجميع باستعمال السلاح وتم اخذه في صندوق سيارتهم الخلفي”.

وقال: “في نفس المحطة رأيت الحارس الشخصي للسراج، فاضل القريو (وهو الآن القنصل الليبي في تونس حيث تم تعيينه من قبل إدارة السراج)، يقود سيارة مرسيدس تحمل لوحة (المراسم)، وقام بنفس الفعل وخرج من المحطة بشكل سريع”.

في أغلب المناطق في المنطقة الغربية وبالأخص في العاصمة طرابلس ذو التعداد السكاني أكثر من مليوني نسمة، يتعمد الكثير من سائقي سيارات الجماعات المسلحة ذو الزجاج المعتم وبدون لوحات، ومواطنون أيضاً بالدخول إلى محطات الوقود من باب الخروج رافضين الوقوف في الطابور.

أكثر من 400 محطة وقود شبح

في مارس \آذار عام2018 ، قال مدير مكتب التحقيقات لدى النائب العام، صديق الصور، في مؤتمر صحفي، أن تحقيقات المكتب في ملف تهريب المحروقات توصلت إلى وجود قرابة 415 محطة بنزين وهمية (يطلق عليها اسم الشبح) في المنطقة الغربية.

تستلم هذه المحطات الشبح آلاف الليترات من المحروقات من شركة البريقة لتسويق النفط، التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط، ويتم مباشرة تهريب هذه الكميات وبيعها عبر الحدود الليبية مع دول الجوار من الجانبين الغربي والجنوبي.

ووفقاً للتحقيقات، قال الصور، إن مهربين استطاعوا جني أكثر من 100,000 دولار أمريكي في تلك الفترة. ولم يعلن الصور منذ ذاك الوقت عن أي تفاصيل جديدة تتعلق بملف التهريب.

يعاني غرب ليبيا منذ عام 2013 من نقص شديد في المحروقات المدعومة مباشرة من خزينة الدولة ما يجعل سعر المحروقات في ليبيا، ثالث أكبر منتج للنفط في شمال أفريقيا، الأرخص ثمناً مقارنة بدول الجوار.

ولكن ازداد الأمر سوءاً بعد اندلاع الحرب بين مليشيات مدينتي الزنتان ومصراته، قطبي الصراع في غرب البلاد، بعد أن وجه كلاً منهما سلاحه في وجه الأخر عام 2014 ، وأدى ذلك إلى انقسام البلاد. حاربت المدينتين جنباً إلى أخر في حرب 2011 لإسقاط نظام القذافي.

يضطر المئات من سكان مناطق ومدن غرب طرابلس للقدوم إلى المدينة في ساعات الصباح الأولى للتزود بالوقود والعودة إلى مدنهم.

يقول الصور، إن مدن صبراته وزوارة والزاوية هي النقاط الساخنة لتهريب الوقود من خلال البحر إلى مالطا وتركيا واليونان، وبراً مع تونس والسودان وتشاد والنيجر.

مدينة الزاوية، قرابة 60 كيلو متر غرب العاصمة، هي المقر الرئيسي لمصفاة الزاوية لتكرير النفط، ولكن سكان المدينة لا يمكنهم شراء المحروقات من محطات الوقود المغلقة أغلب الوقت ما يتيح للمهربين إدارة عملياتهم بسلاسة.

وعند المرور من الطريق الساحلي في مدينة الزاوية تجد على جانبي الطريق عمال من دول أفريقية يعملوا لصالح تجار السوق السوداء ويبيعون المحروقات المدعومة من الدولة في غالونات بلاستيكية يصل سعرها إلى عشرين دينار ليبي لكل عشرة لتر.

قال شاهد عيان لـ”صحيفة الشاهد”: “رجعت من تونس ودخلت عبر الطريق الساحلي وطلب السائق الاذن للتوقف من أجل التزود بالوقود. وفجأة وجدت نفسي بين طرق وعرة بين مزارع حتى وصلنا إلى ناقلة وقود تقف في إحدى المزارع تبيع مادة البنزين بسعر دينار ونصف”.

وقال شاهد العيان: إنه سأل السائق: “لماذا لا توجد محطات وقود في المدينة؟”.. فقال: “كيف يمكن أن تفتح ومحمد كشلاف يعمل في التهريب وله مجموعات مسلحة تغلق المحطات حتى يبيع هو بضاعته”.

كشلاف المعروف أيضا باسم (القصب): وهو من بين كبار المهربين في مدينة الزاوية الذي وضعه مجلس الأمن على قائمة العقوبات وذلك على خلفية التورط في قيادة ميليشيا تسيطر على مصفاة الزاوية ويدير منها شبكة تهريب الوقود والبشر.

وتعيش ليبيا في فراغ أمني وانقسام سياسي حاد ألقى بظلاله على حياة المواطنين من انعدام للخدمات وبطش الميليشيات، منذ أن تم إسقاط نظام القذافي، في انتفاضة شعبية سرعان ما تحولت إلى كابوس يخيم على الدولة العضو في أوبك، وتعتمد على دول مانحة من خلال بعثة الأمم المتحدة لتقديم خدمات عامة لمرافق القطاع العام.