على مدار سنوات، ارتبطت حركة النهضة، ذراع جماعة الإخوان المسلمين في تونس، بنظيرتها في ليبيا، درجة ارتبارطهما في الرؤى والمخططات على الأرض.
ورغم وجود ادعاءات كثيرة حول انفصال أحد أهم أجنحة التنظيم الدولي للإخوان عن بعضهما، إلا أن هناك تنسيق دائر حول كل شيء، وسبل الدعم السياسي والتنظيمي، للسيطرة على مقاليد الأمور في غرب ليبيا.
أكد ذلك زعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، حيث تباهى بعلاقاته مع تنظيم الإخوان في ليبيا، وتطابق الرؤى بين الطرفين.
تصريحات الغنوشي كشفت عن دلالات مختلفة، حول وجود تحركات إخوانية لحصد مكاسب سياسية في الفترة المقبلة، وهو ما لفت له الغنوشي، بقوله: إن “إخوان ليبيا” يتمنون أن يحصلوا على مساعدة من حركة النهضة للخروج من ما وصفه بـ”محنتهم الحالية”.
والمحنة التي يعيشها الإخوان في ليبيا، تتجسد في الموقف الشعبي الرافض لوجودهم على الساحة الليبية، بعد خروقات وانتهاكات كثيرة لحقوق الليبيين، آخرها: جلب الاحتلال التركي إلى ليبيا.
وتكثف التحركات الإخوانية في التوقيت الحالي، بالتزامن مع ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس، وإعداد تصورات جديدة لهياكل السلطة، من شأنها وضع كافة الصلاحيات في يد جماعة الإخوان المسلمين.
ولكي يضمن إخوان ليبيا البقاء في السلطة والاستحواذ على أكبر عدد ممكن من المناصب في الفترة الانتقالية المقبلة، كان عليها استلهام التجربة التونسية، حين زعمت حركة النهضة أنها ليست راغبة في المناصب السياسية، لكنها كانت تدير الأمر برمته من وراء ستار، كحالها مع الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي.
الأمر أكدته تقارير، قالت إن نسخة إخوان تونس بقيادة الغنوشي صارت هي المنهج المتبع الآن من قبل إخوان غرب ليبيا، لإقناع الطرف الآخر بعدم رغبتها في المناصب الرئيسية، إلا أنها في واقع الأمر هي من تدير تلك المناصب من خلف الستار، بجانب سيطرتها على الإدارات الوسطى في المؤسسات الحيوية، بالتزامن مع الغزو الناعم لمنظمات المجتمع المدني للسيطرة عليها.
وعلى الأرض، بدأت جماعة الإخوان في التمهيد لتلك المرحلة قبل أشهر، حين وقعت استقالات جماعية لأعضاء جماعة الإخوان بمدينتي الزاوية ومصراتة من التنظيم، وهو ما اعتبر أول المؤشرات لتطابق رؤية التنظيم في غرب ليبيا مع رؤية نظيرهم التونسي، حركة النهضة.
وفي 21 أكتوبر، أعلن أعضاء جماعة الإخوان بمصراتة، استقالتهم الجماعية من التنظيم، بعد أن أكد الأعضاء المستقيلين في بيان نشر لهم على مواقع التواصل الاجتماعي بأن هذه الخطوة تعني حلّ التنظيم في المدينة نهائياً.
وأكدوا أن سبب ذلك هو تعطيل قيادات الجماعة عمل المراجعات التي أتفق عليها أعضاء الجماعة في مؤتمرهم العاشر المنعقد عام 2015.
وجاءت هذه الاستقالة بعد مرور شهرين على استقالة أعضاء الإخوان في مدينة الزاوية من التنظيم الأم، حيث قرروا حلّ فرع التنظيم الإرهابي بالمدينة، مرجعين قرارهم لذات الأسباب التي ساقها التنظيم في مصراتة.
وبعيداً عن توافق الرؤى بين إخوان تونس وإخوان ليبيا، حاول زعيم النهضة تبييض وجه حلفاءه في ليبيا، فهو عراب التلون داخل الإخوان، بالحديث عن اتصالات مع إخون ليبيا، من شأنها إعادة السيناريوهات، بما يتوافق مع المعادلة السياسية القائمة الآن.
ليست تلك المرة الأولى التي يلجأ فيها إخوان ليبيا لمثل تلك التحركات، ففي 2009 استخدم التنظيم سياسة مشابهة عندما وقع الإخوان صلحاً مع نظام معمر القذافي بوساطة من إخوان تونس، ثم أعلنوا عام 2011 أنهم في حلّ من هذا الاتفاق. وعليه قد يعود التنظيم الى المدينة في أي لحظة إذا توفرت له عوامل العودة.
وعلى مدار أشهر العام الجاري، تزايد الاتصالات الإخوانية بين ليبيا وتونس، من جهة، وتحديداً بين رئيس المجلس الاستشاري خالد المشري وراشد الغنوشي، مستغلان صفتهما الرسمية في ذلك، وبين الغنوشي أو المشري مع أردوغان وقطر من جهة أخرى، للحفاظ على مل تبقى من ركام الجماعة.
وتجلت تلك الاتصالات مؤخراً، في إقصاء رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج عن استقالته والتي كان مقرراً لها نهاية أكتوبر الماضي.