في مشهد أمني لا يزال يتقاسمه السلاح والنفوذ غير الرسمي، أعلن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي تشكيل قوة مشتركة تحت اسم “قوة الإسناد” لتأمين طرابلس، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لامتصاص آثار الاشتباكات الأخيرة التي اندلعت عقب مقتل عبد الغني الككلي، أحد أبرز قادة الميليشيات في العاصمة، على يد قوة تابعة لحكومة عبد الحميد الدبيبة.
وأثار قرار رئيس المجلس الرئاسي تساؤلات عديدة حول جدوى هذا التحرك في ظل بيئة أمنية معقدة تحكمها موازين الميليشيات أكثر مما تحكمها مؤسسات الدولة.
وتتكوّن القوة الجديدة من تشكيلات أمنية وعسكرية قائمة، بينها اللواء 444 قتال وجهاز الردع، وتخضع رسميّاً لإشراف مباشر من المنفي، وقد جرى تحديد فترة عملها بثلاثة أشهر، مع إعلان نية تعميم النموذج لاحقاً على مناطق أخرى، خصوصاً الجنوب.
لكن هذا الطرح، ورغم طابعه الرسمي، يعكس في جوهره محاولة لامتصاص الصدمة الأمنية الأخيرة وليس بداية لإعادة بناء حقيقية لهيكل الدولة الأمني.
وبحسب مراقبون، تبدو المعادلة الأمنية في طرابلس أبعد من أن تُعالج بتجميع قوات قائمة تحت مسمًى موحّد، طالما أن البنية العميقة للنظام الأمني لا تزال مرهونة بشبكات النفوذ والولاءات المتقاطعة، فكل طرف من الأطراف المشاركة في “قوة الإسناد” يملك ارتباطات سياسية وميدانية يصعب ضبطها، ما يجعل من التنسيق الفعلي تحديًا لا يقل صعوبة عن ضبط الشارع نفسه.
وتعزز تصريحات وزير الداخلية بحكومة الدبيبة، عماد الطرابلسي، هذا التقدير، إذ كشف في ندوة عامة أن القرار في ليبيا خضع خلال السنوات الماضية لسيطرة جماعات محسوبة على أحزاب ومشايخ، وهو توصيف مباشر لوضع الميليشيات التي تتدخل في مؤسسات الدولة من خارج إطارها الرسمي.
وأوضح الطرابلسي أن وزارته اقترحت حل الأجهزة الموازية ودمج عناصرها في مؤسسات الدولة، مؤكداً أن غياب هيكل موحّد وقوي للأمن كان أحد أسباب تفاقم التهديدات داخل العاصمة.
وتتقاطع هذه التصريحات مع الإشارات المتكررة إلى أن طرابلس باتت ساحة صراع خفي على النفوذ بين قوى تحاول إعادة هندسة المشهد الأمني وقوى أخرى ترى في استمرار الفوضى ضماناً لبقائها.
وقد أشار الطرابلسي إلى أن الوزارة أنفقت أكثر من 50 مليار دينار منذ 2011، دون نتائج ملموسة على الأرض، ما يعكس خللًا عميقًا في بنية الدولة وقدرتها على فرض سلطتها.
وأكد الطرابلسي أن الوزارة بدأت تنفيذ خطة أمنية جديدة مزوّدة بكاميرات تغطي محطات الوقود، لكن تطبيق هذه الإجراءات يظل مرهوناً بمدى قدرة الدولة على ضبط الأطراف الخارجة عن سيطرتها، وهي الأطراف ذاتها التي شاركت – بشكل أو بآخر – في تشكيل “قوة الإسناد”.
وتبرز في الخلفية أزمة سياسية خانقة تُغلق أبواب الحل الدستوري وتُضعف الغطاء المدني لأي عملية أمنية. لا المجلس الرئاسي ولا الحكومة يملكان الشرعية الكاملة، وكل طرف يسعى إلى تعزيز موقعه عبر أدوات أمنية، وفي غياب اتفاق سياسي جامع، تبقى مبادرات مثل “قوة الإسناد” أقرب إلى مسكنات ظرفية من كونها حلولًا جذرية.
تبدو طرابلس اليوم نموذجاً لمعضلة أمنية متكررة في ليبيا: أجهزة متعددة، قرار مشتت، ونفوذ فعلي بيد الفاعلين غير الرسميين، وإذا لم تترافق محاولات ضبط الأمن مع خطوات عملية لتفكيك مراكز النفوذ واستعادة القرار السيادي، فستبقى العاصمة – وكل ليبيا – رهينة لاتفاقات هشّة لا تصمد أمام أول اختبار ميداني.
- الإطاحة بأخطر مهربي المخدرات في ليبيا: المؤبد لـ “الفيتوري” في طرابلس
- قوى مصراتة ترفض الزج بالمدينة في صراع طرابلس وتدعو إلى مسار سياسي جديد
- مجلس النواب يدعو لمعاملة الأمريكيين بالمثل بعد قرار واشنطن حظر سفر الليبيين
- طقس ليبيا.. أجواء معتدلة نسبياً وارتفاع تدريجي للحرارة جنوباً
- الدبيبة يبحث مع مشايخ الطوارق دعم الاستقرار والتنمية في جنوب ليبيا
- ميليشيات تسيطر على مفاصل الدولة.. هل تنجح قوة “المنفي” في فرض الأمن بطرابلس؟
- الطرابلسي: المجموعات المسلحة تهيمن على مؤسسات الدولة
- مصرف ليبيا المركزي يطلق استراتيجية الشمول المالي ومشاريع تحولية كبرى
- المنفي يشدد على ضرورة انسجام مهام البعثة الأممية مع تطلعات الليبيين
- الدبيبة يطالب الأمم المتحدة بالحياد والعمل على إنهاء المراحل الانتقالية
- حكومة الوحدة تعيد تبعية المدارس الليبية في الخارج إلى وزارة التربية والتعليم
- ليبيا.. ضبط أكثر من 200 ألف قرص مخدر داخل أحد المنازل في طبرق
- ليبيا.. الحماية المدنية تسيطر على حريق ضخم في مزارع قرية بوحليمة بالكفرة
- وفد من وزارة العمل بالحكومة الليبية يشارك في دورة “التفكير المستقبلي” بالقاهرة
- ليبيا.. كتيبة سبل السلام تضبط كميات من التبغ على الحدود الليبية – السودانية