اختبار السيادة.. مناقصة للتنقيب جنوب جزيرة كريت تشعل التوتر بين ليبيا واليونان

0
130

في سياق إقليمي يتّسم بتعقيدات جيوسياسية متزايدة، عاد التوتر بين ليبيا واليونان إلى الواجهة مجددًا، على خلفية إعلان أثينا طرح مناقصة دولية للتنقيب عن النفط والغاز في مناطق بحرية جنوب جزيرة كريت، يقع بعضها ضمن نطاق متنازع عليه مع الدولة الليبية. 

ووصفت حكومتا ليبيا —الوحدة الوطنية والمكلفة من البرلمان— بأنها “استفزازية وتصعيدية”، تسلط الضوء على هشاشة الترتيبات البحرية شرق المتوسط، وتفتح باباً واسعاً للتساؤلات حول مستقبل العلاقة الثنائية الليبية-اليونانية، وحدود الدور الدولي في احتواء التوترات البحرية في المنطقة.

وجاء أول اعتراض رسمي من حكومة الوحدة الوطنية، حيث أعربت وزارة الخارجية والتعاون الدولي عن “قلق بالغ” من الدعوة التي وجهتها السلطات اليونانية لشركات عالمية لتقديم عطاءات استكشافية، مؤكدة أن جزءً من هذه المناطق “يقع ضمن النطاق البحري المتنازع عليه مع ليبيا”. 

 

ووصفت الوزارة الخطوة بانتهاك صريح للحقوق السيادية الليبية، وأكدت أن أي عمليات تنقيب دون تفاهم قانوني مسبق تمثل خرقاً لقواعد القانون الدولي، داعية أثينا إلى إعطاء الأولوية للحوار والتفاوض. 

 

ورغم الطابع التصعيدي للخطوة اليونانية، لم تغلق طرابلس الباب أمام الحلول السلمية، بل شددت على ضرورة اللجوء إلى التفاهمات القانونية الدولية لتفادي أي مواجهات قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار البحري في المتوسط.

وجاء الرد اليوناني من داخل أروقة وزارة الطاقة والخارجية، حيث أكد مسؤولون كبار أن بلادهم “تلتزم بالقانون الدولي للبحار”، وأبدوا استعدادهم للجلوس مع الجانب الليبي بهدف ترسيم المناطق البحرية المتنازع عليها.

وذهب وزير الخارجية جورج جيرابيتريتيس أبعد من ذلك حين كشف عن ترتيبات لزيارة قريبة إلى ليبيا، ما يعكس رغبة سياسية في احتواء الخلاف ضمن الأطر الدبلوماسية.

لكن التصعيد لم يقتصر على حكومة الوحدة الوطنية فقط، بل جاء أيضاً من الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، والتي عبّرت عن “استغراب وقلق بالغ” حيال ما اعتبرته “انتهاكًا واضحاً للحقوق السيادية الليبية”. 

وأكدت وزارة الخارجية في بيانها أن “أي أنشطة استكشافية في المناطق المتنازع عليها دون موافقة صريحة من ليبيا ستُعتبر أعمالاً غير قانونية وعدوانية”، محملة الجهات المنفذة كامل المسؤولية القانونية. 

وأشار البيان إلى أن هذه التحركات من شأنها تعقيد الأوضاع في شرق المتوسط، وعرقلة جهود الاستقرار والتعاون الإقليمي، في وقتٍ يفترض أن تكون فيه الجهود منصبّة على إعادة بناء الثقة وإنهاء النزاعات المعلقة، لا تأجيجها من خلال خطوات أحادية الجانب.

وتكشف الأزمة الراهنة بين ليبيا واليونان حول مناطق الامتياز البحرية عن خلل متراكم في آليات إدارة الخلافات البحرية شرق المتوسط، وتسلط الضوء على غياب تسويات قانونية نهائية بشأن ترسيم الحدود البحرية بين الدول المعنية. 

وبينما يبدو موقف الحكومتين الليبيتين متماهياً في رفض الطرح اليوناني والتشديد على السيادة، فإن المخرج الوحيد الذي يلوح في الأفق يمر عبر بوابة التفاوض وفق قواعد القانون الدولي، لا سيما في ظل حساسية المنطقة وتشابك المصالح الإقليمية فيها، أما استمرار الخطوات الأحادية، سواء من أثينا أو غيرها، فقد يُفضي إلى موجة جديدة من التوترات، في منطقة لا تحتمل مزيدًا من التعقيد.

يرتبط هذا الخلاف مباشرة باتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين حكومة الوفاق الوطني السابقة وتركيا في 2019، وهي الاتفاقية التي رفضتها اليونان بشدة، ووصفتها بأنها “لا أساس قانوني لها”، لكونها تتجاهل وجود جزيرة كريت وتمنح أنقرة وطرابلس حق إنشاء منطقة اقتصادية خالصة تمتد من جنوب تركيا إلى شمال شرق ليبيا.