معاقبة معرقلي العملية السياسية في ليبيا.. تلويح أم أداة للضغط؟

0
177

أعاد اجتماع لجنة المتابعة الدولية بشأن ليبيا، الذي انعقد مؤخرًا. في برلين، طرح ملف العقوبات الدولية كأداة محتملة لمواجهة تعثّر العملية السياسية في البلاد. 

وبينما لم تُرفق التصريحات الدولية بأي إجراءات عملية، بدا واضحاً أن المجتمع الدولي بدأ يُلوّح مجدداً بخيار العقوبات كوسيلة ضغط على الأطراف المعرقلة، في مشهد يعكس حالة من القلق المتزايد من استمرار الانسداد السياسي والانفلات الأمني.

ورغم أن ملف العقوبات على معرقلي المرحلة السياسية في ليبيا سبق طرحه، إلا أن فاعليته لا تزال محل تساؤل، فعلى مدار السنوات الماضية، صدرت تهديدات متكررة من دول غربية وأطراف أممية ضد من يُعرقلون المسارات السياسية والأمنية، لكن لم يُفعّل هذا المسار إلا في حالات نادرة، أبرزها العقوبات الأوروبية التي فُرضت عام 2016 على بعض الشخصيات الليبية، قبل أن تُرفع لاحقاً في ضوء توافقات ما بعد اتفاق جنيف.

ووفق تقارير، فإن العودة إلى الحديث عن العقوبات الآن، وفق مقاربة كثير من المراقبين، يُفهم في سياق استعادة أدوات الضغط بعد فشل أدوات الحوار والمبادرات المتتالية في دفع الأطراف نحو تنازلات جدية، غير أن فعالية هذا التلويح تظل رهينة لطبيعة الشخصيات المستهدفة؛ إذ أن الطبقة السياسية التقليدية أثبتت في مرات عديدة أنها قادرة على امتصاص الضغوط وتجاوزها، بينما قد يكون لهذا الخيار وقع أكبر على قادة التشكيلات المسلحة، نظراً لحجم الملفات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي في سجل بعضهم.

ورغم ذلك، يُنظر إلى التهديد بالعقوبات باعتباره “رسالة سياسية” أكثر من كونه مساراً حقيقياً سيُفعّل في القريب. فالمشهد الليبي لا يزال معقداً بتشابك الحسابات الدولية والإقليمية، فضلاً عن الانقسام الداخلي العميق. 

ويرى مراقبون، أن تفعيل العقوبات في مجلس الأمن لا يبدو مساراً واقعياً في ظل غياب توافق بين القوى الكبرى، خاصة في الملفات المرتبطة بالتدخلات الأجنبية ومصالح الطاقة.

واختارت الأطراف الدولية التي حضرت في برلين التذكير بـ”المساءلة والمحاسبة” في سياق تحذيري، بينما آثرت عدم الخوض في تفاصيل الإجراءات التنفيذية، وهو ما يعكس تراجعاً في الحزم مقارنة بفترات سابقة كانت فيها الأمم المتحدة أكثر وضوحاً في تحديد خريطة الطريق، كما حدث في الفترة بين 2020 و2021.

ويتزامن هذا التحول مع نهج جديد تتبناه البعثة الأممية، قائم على تمكين لجنة استشارية محلية من رسم الملامح العامة للحل، بدلاً من فرض خارطة طريق أممية كما جرت العادة، وهو ما يفسّر، جزئياً، الإحجام عن فرض قرارات قوية قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد أو التشكيك في حيادية الوساطة الدولية.

ورغم أن بعض الفاعلين الليبيين يرون أن العقوبات قادمة لا محالة، خصوصاً في ظل تشبّث العديد من الشخصيات بالسلطة، فإن المشهد الحالي يُظهر أن المجتمع الدولي يفضّل سياسة “التخويف” بالعقوبات على تفعيلها، على أمل أن تُحدث هذه التهديدات تأثيراً في تليين مواقف بعض الأطراف، ودفعها للانخراط بجدية في مسار تشكيل حكومة موحدة، وهو أحد أبرز مطالب المجتمعين في برلين.

ويرى مراقبون أن يبقى الحديث عن العقوبات جزءً من أدوات الضغط الدبلوماسي أكثر منه قراراً نافذاً، ما لم يتطور الموقف الدولي إلى مستوى من التوافق يسمح بتفعيل أدوات الردع، سواء عبر مجلس الأمن أو من خلال تحالفات دولية مستقلة، وهو أمر لا يزال غير مرجّح في الوقت الراهن.