تجددت الخلافات بين مجلسي الدولة الاستشاري ومجلس النواب الليبيان بعد اعتماد الميزانية العامة للدولة المقدمة من الحكومة المكلفة برئاسة أسامة حماد.
واعتمد مجلس النواب الليبي في جلسته التي عقدت أمس الأول الأربعاء، الميزانية العامة الموحدة للدولة لعام 2024، والتي بلغت 179.5 مليار دينار، والتي تعد الأضخم في تاريخ ليبيا.
وأعلن رئيس مجلس الدولة الاستشاري، محمد تكالة، رفضه لإقرار مجلس النواب الليبي الميزانية العامة بمبلغ وصفه بأنه “غير مسبوق”، داعياً كل ذي مصلحة إلى الطعن على قانون الميزانية.
وقال تكالة، في خطاب إلى رئيس مجلس النواب أمس الخميس، إن جلسة إقرار الموازنة شهدت مخالفات جسيمة ومتعددة، عبر عنها أعضاء مجلس النواب أنفسهم عبر وسائط إعلامية مختلفة، بالإضافة إلى عدم الالتزام بإحالة مشروع قانون الموازنة إلى المجلس الأعلى للدولة، لإبداء الرأي الملزم بشأنه، وفقا لما تحدد بنصوص الاتفاق السياسي الليبي بالصخيرات.
وأشار إلى أن تمادي مجلس النواب في تجاوزاته واتخاذه إجراءات وترتيبات إدارة الشأن العام بإرادته المنفردة، لن يقود إلا إلى مزيد الانقسام والهدر للموارد والمقدرات العامة، محذراً من خطورة هذا الأمر وتداعياته، وحمل القائمين عليه والمشاركين به المسؤولية عن آثاره السلبية على المجتمع ومستقبل البلد.
ووجه تكالة، خطاب آخر لمحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، طالبه فيه بعدم تنفيذ قانون الميزانية للعام الجاري على النحو الذي صدر به لعدم مشروعيته، وبضرورة التقيد بموقفه الرافض لإقراره.
وحمل تكالة، محافظ المصرف المركزي المسؤولية القانونية والتاريخية والأخلاقية لما يرتبه هذا العبث من تداعيات سياسية واقتصادية تفاقم من أزمة البلاد وتوسع من هوة الخلاف، فضلاً عما سترتبه هذه المواقف المتباينة من آثار على الاستدامة المالية للدولة وسير العمل بمرافقها وأجهزتها.
ولم يكتفي تكالة عند هذا الحد، ووجه خطاب للأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، يبلغه فيه بتعليق المشاركة في الجولة الثانية من المشاورات مع رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الرئاسي لحين حل القضايا العالقة بين مجلسي النواب والدولة وفي مقدمتها قانون الميزانية العامة.
وأشار تكالة، في خطابه إلى عدم جدوى حضوره مثل هذه اللقاءات لاعتقاده عدم رغبة بعض أطرافها “مجلس النواب” في تحقيق أي تقدم على طريق حلحلة الأزمة، بل سعيه لاستخدامها للمناورة واستهلاك الوقت.
وكانت الخلافات بين مجلسي النواب والدولة تجددت منذ تولي محمد تكالة، رئاسة مجلس الدولة في أغسطس الماضي، بعد إعلانه رفض قوانين الانتخابات التي أنجزتها لجنة 6+6 المشكلة من المجلسين، واتهم مجلس النواب بتعديلها عما اتفقت عليه اللجنة خلال اجتماعها في مدينة بوزنيقة المغربية.
لكن الخلاف بين مجلسي النواب والدولة شهد انفراجة في مارس الماضي، بعد الاجتماع الثلاثي الذي عقد في مقر جامعة الدول العربية بين رؤساء مجالس النواب والدولة والرئاسي، والذي شهد توافق على عدة نقاط، من أهمها تشكيلة حكومة جديدة موحدة تقود البلاد للانتخابات وتشكيل لجنة لحل نقاط الخلاف بين مجلسي النواب والدولة حول قوانين الانتخابات.
وعلق مستشار الشؤون الفنية والإعمار بحكومة الوفاق السابقة، فرج العماري، على بيان مجلس الدولة الاستشاري الرافض لاعتماد مجلس النواب لقانون الميزانية، مؤكداً أنه لا قيمة له.
وقال العماري في تصريحات صحفية، “يمكن الرد على بيان مجلس الدولة بنقطتين: أولاً أن حكومة دبيبة التي يعترف بها مجلس الدولة لم تقدم له الميزانية العامة لكي يحيلها إلى مجلس النواب، وثانياً مجلس الدولة لا يعترف بحكومة حماد، وبالتالي حتى لو قدمت حكومة حماد مقترح مشروع الميزانية، فلن يعتد بها مجلس الدولة، لذا فإن البيان لا قيمة له.
من جهة أخرى قال عضو مجلس النواب، ميلود الأسود، إن انسحاب رئيس مجلس الدولة الاستشاري محمد تكالة، من اللقاء الثلاثي لا يمكن تفسيره إلا لكونه تنفيذاً لتعليمات رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد دبيبة، الذي أصبح نفوذه الغالب على أداء رئاسة مجلس الدولة.
وتساءل الأسود في تصريح صحفي: “إن كانت الغاية هي الحرص، فلماذا لم يعترض عندما كان الصرف لسنوات عبر ترتيبات مالية أم كان يراها شرعية؟”، مردفا: الأجدر بتكالة أن يوجه خطابه واعتراضه للحكومة أيا كانت الحكومة التي يعترف بها وليس مجلس النواب، فشرط التشاور مع مجلس الدولة ملزم للحكومة وليس لمجلس النواب.
وأشار إلى أن الاتفاق السياسي ينص على أن الحكومة ملزمة باستشارة مجلس الدولة في القوانين التي تعتزم تقديمها إلى مجلس النواب، ولكن مجلس النواب غير ملزم بذلك.
ولفت إلى أن الاتفاق السياسي حدد الحالات التي تلزمه التشاور مع مجلس الدولة ومنها قانون الاستفتاء وقانون الانتخابات والمناصب السيادية وإقالة أو تكليف رئاسة الحكومة، وليس من بينها قانون الميزانية.