ليبيا ضمن الـ 9 الأعلى عالمياً في حرق الغاز.. متى يتوقف إهدار الثروات؟

0
279

في السنوات الأخيرة، أصبحت قضية حرق الغاز في ليبيا من القضايا البيئية والاقتصادية البارزة التي تستوجب اهتماماً خاصاً. تتصدر ليبيا مراتب متقدمة عالمياً في حرق الغاز الناتج عن آبار النفط، مما يمثل إهداراً هائلاً للثروة الوطنية، ويمثل تحدياً كبيراً على الصعيدين البيئي والاقتصادي.

وعملية حرق الغاز يتم خلالها التخلص من الغاز الطبيعي المصاحب لاستخراج النفط عبر حرقه، بدلاً من استغلاله في إنتاج الطاقة أو تحويله إلى منتجات نافعة. هذه الممارسة تنتج كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون ومختلف الغازات الضارة، مما يساهم في تفاقم مشكلة التلوث البيئي وتغير المناخ.

وفي ليبيا، تعكس هذه الظاهرة تقصيراً واضحاً في تهيئة البنية التحتية اللازمة لاستغلال الغاز، إلى جانب نقص في صيانة المنشآت النفطية واعتماد الشركات على الآبار القديمة التي تفتقر إلى التقنيات الحديثة. يعود هذا الوضع أيضاً إلى عقود من الصراعات والانقسامات السياسية التي عرقلت جهود التنمية والاستثمار في قطاع النفط والغاز. نتيجة لذلك، تُهدر كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، ما يمثل فرصة ضائعة للاستفادة من هذه الثروة الطبيعية في تحقيق التنمية المستدامة، وتوفير موارد طاقة نظيفة، وتحقيق عوائد اقتصادية هائلة.

تقرير حديث للبنك الدولي كشف أن ليبيا تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في حرق الغاز بآبار النفط، مما يعكس قصوراً في البنية التحتية ونقصاً في الصيانة، حيث تعتمد الشركات المشرفة على الإنتاج بشكل كبير على الآبار القديمة، مما يزيد من هذه المشكلة.

وحافظت ليبيا على مركزها العالمي في هذا السياق وفقاً لتقديرات البنك الدولي التي استندت إلى بيانات الأقمار الصناعية، وكانت ليبيا واحدة من بين أكبر تسع دول في حرق الغاز في عام 2023، وتشمل هذه الدول روسيا وأمريكا وإيران والعراق وفنزويلا والجزائر ونيجيريا والمكسيك، وشكلت هذه الدول مجتمعة حوالي 75% من إجمالي الغاز المحترق و46% من إنتاج النفط العالمي.

وشهدت أربع من أكبر تسع دول في مجال حرق الغاز، وهي إيران وروسيا وأمريكا وليبيا، أكبر الزيادات في عمليات الحرق في عام 2023، حيث شكلت مجتمعة 9 مليارات متر مكعب من حرق الغاز الإضافي، وفي ليبيا، زاد حرق الغاز بنسبة 25%، أما روسيا، فقد زاد الحرق فيها بنسبة 11%، وفي أمريكا بنسبة 21%، وفي إيران بنسبة 19%. وبالنظر إلى أن روسيا وأمريكا تمثلان حصة كبيرة من إنتاج النفط العالمي، فإن التقلب في كثافة حرق الغاز لديهما له تأثير ملحوظ على البيئة.

وأرجع البنك الدولي زيادة كثافة حرق الغاز إلى نقص الاستثمار في البنية التحتية للغاز واستغلاله، وفي المنطقة، لم تتقدم على ليبيا سوى المملكة العربية السعودية من حيث النسبة الأكبر من الزيادة في حرق الغاز، حيث سجلت زيادة بنسبة 31% في عام 2023.

وأظهرت بيانات البنك أن الإمارات العربية المتحدة سجلت أدنى حجم لحرق الغاز في المنطقة بين أكبر 30 دولة في العالم من حيث حرق الغاز، على الرغم من كونها واحدة من أكبر منتجي النفط الخام في منظمة أوبك. كما عملت عُمان على خفض كمية الغاز المشتعلة، حيث أعلنت شركة تنمية نفط عُمان عن انخفاض بنسبة 22% في الغاز المشتعل على مدار عام 2021، وانخفاض بنسبة 9.5% في العام الماضي.

في مؤتمر صحفي خلال قمة كوب 28 في دبي في مايو الماضي، توقع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، أن تحقق المؤسسة هدف الاقتراب من الصفر في حرق الغاز بحلول عام 2030، مشيراً إلى أن المؤسسة تسعى لخفض حرق الغاز بنسبة 83% بحلول 2030. ومع ذلك، يبدو هذا الهدف بعيد المنال في ظل إنتاج ليبيا المتناقص من الغاز وإهدار الكثير منه بسبب عيوب البنية التحتية وحرق الغاز واحتراق الغاز الزائد.

تعد ظاهرة حرق الغاز شديدة التلوث منتشرة على نطاق واسع في ليبيا، إذ لا تزال الآبار البرية في صحراء برقة مصممة ومبنية حتى اليوم، مع تخصيص مساحات كبيرة لحرق الغاز، ويعود السبب في عدم القدرة على تقليص هذه الظاهرة إلى ضعف تهيئة البنية التحتية ونقص الصيانة والانقسامات السياسية.

في سياق المشاريع المستقبلية، حصلت شركة “سايبام” في الصيف الماضي على عقد بقيمة مليار دولار تقريباً مع شركة مليتة للنفط والغاز، وهو كونسورتيوم شكلته المؤسسة الوطنية للنفط وشركة إيني لتطوير مشروع استغلال غاز البوري.

ويتضمن العقد أعمال الهندسة والمشتريات والتصنيع والتركيب والتشغيل لوحدة استرداد الغاز التي تبلغ طاقتها حوالي 5 آلاف طن، إلى جانب تركيب 4 كيلومترات من خطوط الأنابيب التي تربط بين منصات وصبراتة. ويتوقع خبراء أن يساهم هذا المشروع بشكل كبير في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في ليبيا، وذلك تماشياً مع التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس المؤسسة الوطنية للنفط.