حصاد 2023.. ليبيا غارقة في بحر فساد بلا شاطئ

0
5107
  • تعاني ليبيا من تفشي الفساد الإداري منذ سقوط النظام السابق في 2011، في كافة مرافق الدولة في ظل ضعف الأجهزة الرقابية والانقسام الحكومي منذ سنوات. 

وتشير تقارير إلى وقائع فساد واسعة في ليبيا تحتاج إلى مواجهة حقيقية لهذه الظاهرة، فوفقاً للتقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية حلَّت ليبيا في المرتبة 172 من بين 180 بلداً وفق إحصاءات عام 2021، وهي بذلك ضمن الدول التسع الأكثر فساداً في العالم.

وخلال 2023، كشفت تقارير النيابة العامة الليبية عن قضايا فساد، بتورط فيها موظفون كبار وسفراء، بعضهم أدخلوا السجن وعزلوا من مناصبهم، في حين لا تزال بعض القضايا رهن التحقيق، ناهيك عن تقارير ديوان المحاسبة التي أثبتت فيها وقائع فساد تورط فيها وزراء ومسؤولون، وكشف تغول واسع في سرقة المال العام.

واليوم، أعلنت النيابة العامة، القبض على مأمور “ضبط قضائي” بتهمة تلقيه رشوة مقابل إدخال 208 آلاف و600 قرص مخدر دون تفتيش جمركي. 

وفي أكتوبر الماضي، تمكنت الأجهزة الأمنية بمطار معيتيقة الدولي في العاصمة طرابلس من إحباط عملية تهريب كبيرة قام بها رئيس طاقم الضيافة بشركة الخطوط الأفريقية قبل تهريبها إلى مصر.

وحاول رئيس طاقم الضيافة تهريب أموال بقيمة بلغت نحو 3 مليون يورو، بالإضافة إلى 25 كيلو ذهب متمثلة في 12 سبيكة ذهبية مختلفة الأوزان إلى خارج البلاد في الرحلة رقم 430 المتوجهة لمطار القاهرة الدولي.

وفي أكتوبر الماضي، أعلن النائب العام الليبي عن حبس مديرين عامين سابقين لمصرف الصحاري ومسؤول قسم الاعتمادات المستندية في المصرف، بعد إثبات تورطهم في تمكين 13 شركة من الانتفاع بنقد أجنبي يعادل 70 مليون دولار، في صورة اعتمادات مستندية لاستيراد بضائع وتم الإتجار بالأموال في السوق الموازية للعملة.

كما أصدرت محكمة جنايات مصراتة حكماً يقضي بإدانة شخصين اِنتسبا إلى تنظيم أُسُس لغرض الاستيلاء على أموال مصرف ليبيا المركزي بالإكراه، واستوليا على مبلغ 128 مليون دولار و 5 ملايين يورو.

وكانت الواقعة الأشهر في أوائل أكتوبر، حيث أقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية ووزير الخارجية والتعاون الدولي عبد الحميد دبيبة، سفيرة ليبيا لدى بلجيكا أمل الجراري من منصبها.

ونص قرار رئيس الحكومة بصفته وزيراً للخارجية، على «إنهاء إعارة سفير ليبيا لدى بلجيكا أمل الجراري في وزارة الخارجية، وإحالة إجراءات إعفائها إلى المجلس الرئاسي. 

وأصدر دبيبة قراراً بإعفاء الملحق المالي بسفارتي ليبيا في ألمانيا وبلجيكا أبو بكر الصالحين من عمله في الخارج، وإعادته إلى سابق عمله في ليبيا، بعد انتشار تسريب تسجيل صوتي منسوب لها يتعلق بملفات فساد مالي في السفارة.

ومن جانبها، أمرت النيابة العامة، الثلاثاء، بحبس السفيرة احتياطياً على ذمة التحقيق في قضايا فساد مالي وإداري، وتحقيق منافع مادية غير مشروعة؛ والاستيلاء دون وجه حق على مال عام، والتسبُّب في إلحاق ضرر بالمصلحة العامة.

وفي يونيو، أثارت قضية إيفاد الطلبة إلى الدراسة في الخارج جدلاً واسعاً في الأوساط المحلية الليبية بعد ظهور قوائم لعدد كبير من الموفدين تجاوز عددهم 1800 طالب وتجاوز عمر بعضهم السبعين عاماً، أوفدتهم الحكومة لاستكمال دراستهم على حسابها الشخصي.

وبدأت القصة بقيام وزارة التعليم العالي في حكومة الوحدة الوطنية بنشر صور جداول الموفدين إلى تركيا والتفويضات المالية المخصصة لهم.

وعقب الجدل الذي دار في الأوساط المحلية، قررت النيابة العامة، إيقاف أي إجراءات تتعلق بالتفويضات المالية المعتمدة لـ 1895 موفداً في تركيا بقيمة 14 مليوناً و16 ألفاً و771 يورو. 

وكشف تقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2022، تجاوزاً وتبديداً للمال العام من قبل أطراف كثيرة بالبلاد، من بينها حكومة الوحدة الوطنية، وسط مطالب بضرورة إخضاع المتورطين للمحاكمة. 

وأصدر ديوان المحاسبة، الذي يعد أكبر جهة رقابية في البلاد، تقريره السنوي لعام 2022، تضمن وقائع فساد كثيرة، بداية من اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية، والتوسع في إبرام عقود للتوريد، بالإضافة إلى إنفاق الملايين على شراء السيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

وعكس التقرير، الذي جاء في 680 صفحة مقسمة إلى 23 فصلاً، الوضع المالي للدولة، ونتائج مراجعة وتقييم أداء القطاعات المختلفة بها، وكشف عن تغوّل الفساد في مفاصلها عبر الاختلاس وإهدار المال العام. 

وضرب ديوان المحاسبة أمثلة على مظاهر الفساد في القطاع الحكومي، وقال إنه تم التواطؤ مع خصوم الدولة في قضايا ومنازعات، من خلال القيام بتحرير مراسلات تعزز وضع الخصوم ضد الدولة الليبية، ومصالحها في القضايا المنظورة بالتحكيم الدولي. 

ورصد التقرير إهدار المال العام عن طريق التوسّع في إبرام عقود التوريد، أو الخدمات في غير احتياج حقيقي وبالتكليف المباشر، وتضييع الفرصة على الدولة في الحصول على أفضل المواصفات بأقل الأسعار»، كما رصد «مبالغة في عقود الإعاشة، وتذاكر السفر والإقامة لحد الرفاهية على حساب المال العام.

وبحسب التقرير، إلى أنه تم الاستيلاء على المال العام عن طريق تسديد مرتبات وهمية بأرقام وطنية مزورة»، بالإضافة إلى اختلاس مبالغ مالية من باقي تحويلات علاج الجرحى والمرضى عبر السفارات بالخارج. 

وبحسب الديوان، فقد وافق دبيبة على شراء سيارات للوزراء ووكلاء الوزارات، وديوان رئاسة الوزراء بقيمة 40.5 مليون دينار خلال عام 2022، (الدولار يساوي 5.59)، كما رصد موافقته على تمليك 27 سيارة حديثة لوزراء حكومته، عقب شرائها مباشرة بالمخالفة للتشريعات والقوانين، التي تنظم شراء واستعمال السيارات المملوكة للدولة، حيث تمت تغطية شراء السيارات من مخصصات (التنمية) في الباب الثالث، والمُرحَّلة من السنة المالية 2021 بشكل مخالف للقانون.

وفي عام 2022 تقدمت ليبيا درجة واحدة في المؤشر حيث حصلت على المركز 171 عالمياً، وحصدت 17 درجة فقط على المقياس وهو ما يعني أنها لا تزال تعاني من فساد واسع وكبير.

ويعتمد المؤشر الدولي على تقييم من 100 نقطة، حيث تمثّل النقطة الصفر البلدان الأكثر فساداً، في حين تمثّل النقطة 100 البلدان الأكثر نزاهة في العالم، كما يعتمد على العوامل لتقييم أداء مؤسسات الدول؛ والتي من بينها “العمل والمال السياسي ومؤشرات الديمقراطية وحرية التعبير”.

ووفقا للمنظمة الدولية فإن سبب انتشار الفساد في ليبيا يعود إلى مشاكل تتعلق بالأمن والنزاع السياسي الحاصل في البلاد منذ سنوات، والذي عمق من حجم الفساد وخلق أوضاع سياسية وأمنية هشة للغاية.

وتقدر تقارير محلية حجم الفساد في البلاد بحوالي 200 مليار دولار، كما أن تقارير هيئة الرقابة الإدارية والجهات القضائية في البلاد تشير إلى وجود فساد كبير داخل قطاعات الدولة الليبية، وهو ما ترجم في قرارات النائب العام التي أحيل خلالها عدة مسؤولين في الدولة للمحاكمة بتهم تتعلق بالفساد.