مسار جديد أخذه التدخل التركي في الشأن الليبي، بعد إبرام رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، اتفاقية أمنية وبحرية، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سمح له وفقا لتلك الاتفاقية بالتحكم في مجريات الأمور في الغرب الليبي، وبات الأتراك هم حكام تلك الأرض، ولم لا يستغلون تلك الفرصة، فقد سمح لهم الليبييون أنفسهم بذلك.
ما كان يدور أمس من حديث حول احتلال الأتراك للأراضي الليبية على أنه “دندنة”، أصبح بعد الاتفاقية أمراً واقعاً وعياناً للجميع، وليس الخبر كالعيان، ففي الوقت الذي أدعى فيه معسكر الوفاق الوطنية ودفاعهم عن قضية وهمية باستماتة، أصبح بعد تلك الاتفاقية مجرد أكاذيب، اعترف بها البعض في معسكرهم المُغيب.
فتح “السراج” بتلك الاتفاقية، أبواب طرابلس للمحتل التركي، ليمارس تكبره الذي اشتهر به تاريخياً، وبعد الاتفاق، توالى التحكم التركي في المقدرات والثروات الليبية، وسُرقت موارد الشعب، من خلال اتفاقات حقوق انتفاع ومشروعات وهمية، بل وتطور الأمور لدفع أموال لتركيا نظير “صبرها” على مشروعات لها في ليبيا توقفت بعد أحداث فبراير 2011م.
خَلقت تركيا حدود بحرية وهمية، وفقا للاتفاقية، بينها وبين ليبيا، على الرغم من عدم وجود حدود مباشرة بين البلدين، بالإضافة إلى عدم مشاركة تركيا في اتفاقية أعالي البحار، وهي الاتفاقية الدولية المعتمدة من الأمم المتحدة، والمعنية بتقسيم الموارد المائية والمناطق الاقتصادية لكل دولة في البحار، فخلق أعداءاً لليبيا مع دول تطل على البحر المتوسط، وأدخلها في صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل.
وضع أردوغان يده على ثروات ليبيا الموجودة أسفل مياهها الإقليمية، ولم يكتف بذلك، فقد سمحت الاتفاقية له أن يتوغل في الغرب الليبي ليصل إلى آبار النفط بعدما تحكم في الوضع بشكل كامل، ولكنه عندما أراد الوصول للهلال النفطي من خلال وضع يده على منطقة سرت، واجه شدة الجيش الوطني الليبي، ونال هناك ما يستحق وهزمت ميليشياته شر هزيمة.
سيطر أردوغان على المصرف المركزي الليبي في طرابلس، من خلال اتفاقيات جديدة أبرمها مع رئيس المصرف الصديق الكبير، وسمح ذلك الاتفاق بتمرير المليارات من أموال ليبيا لتركيا، دون أن يسأل أحد أين يتم إنفاق كل تلك الأموال، في حين يعاني الشعب الليبي في غرب البلاد من نقص كامل في الموارد المعيشية.
واستغل أردوغان أزمة الكهرباء التي تعاني منها البلاد، وسمح لشركات الكهرباء التابعة له بالدخول واستغلال الموقف والاستثمار في هذا المجال في ليبيا، في صفقات مشبوهة لا يعلم عن تفاصيلها أحد.
ووفقا للجانب الأمني من الاتفاقية التي أبرمها السراج مع حليفه التركي، أرسل أردوغان عشرات الآلاف من المرتزقة والمتطرفين من بقايا الجماعات الإرهابية في سوريا، بالإضافة إلى بعض المتطرفين من تونس والصومال، فأصبح لهؤلاء اليد الطولى في ليبيا، وسطوا على منازل الآمنين وروعوهم سرقوا منازلهم وسكنوا فيها رغما عنهم، وأظهرت العديد من الفيديوهات ذلك.
لم يتوقف دعم أردوغان العسكري لحكومة الوفاق، وفقا للاتفاقية، على إرسال المرتزقة والمسلحين إلى ليبيا، فمنذ إبرام الاتفاق بين الطرفين، وطائرات الشحن العسكرية التركية لا تتوقف عن نقل المعدات العسكرية والعتاد إلى المطارات التي تسيطر عليها حكومة الوفاق في غرب ليبيا لدعم الميليشيات التابعة لها.
جعل أردوغان من ليبيا مسرحاً لتجربة طائراته المسيرة التي أنتجها المصنع الذي يعود ملكيته إلى صهره، فقتل بها مئات الأبرياء من الشعب الليبي، وتعدى على رجال جيش ليبيا الوطني والمنافر عنها، فضلا عن مدرعاته التي بمجرد أن نزلت الأراضي الليبية، حولها الجيش الليبي إلى “خردة” لا قيمة لها ودمروها.
وبعد أن حول أردوغان ليبيا إلى خراب وفقا لاتفاقية الخيانة، يتحدث الآن عن إبرام عقود لإعمار ليبيا، والسماح لشركات تركية بذلك الأمر، بعد أن حولتها مدفعياته وطائراته المسيرة إلى أطلال.