لازالت مسألة تشكيل حكومة جديدة موحدة في ليبيا محل خلاف بين الأطراف السياسية، وتهدد بنسف الجهود التي بذلت على مدار الفترة الماضية لإجراء الانتخابات، لاسيما بعدما أصدر مجلس النواب الليبي قوانين الانتخابات التي أنجزتها لجنة 6+6.
وهذا الخلاف أكده المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي، في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي، مؤكداً أن الحكومة الجديدة لا يمكن أن تأتي إلا نتيجة تفاوض بين أصحاب الشأن الرئيسيين، لافتاً إلى أن إتاحة فرص متكافئة لجميع المرشحين يستلزم حكومة موحدة تتمتع بثقة الشعب لقيادة البلاد إلى الانتخابات.
وأكد المبعوث الأممي على ضرورة أن تكون هذه الحكومة الجديدة نتاج مفاوضات سياسية بين الأطراف الرئيسية، لتلافي تكرار أزمة أغسطس 2022 التي اندلعت بسبب تكليف حكومة فتحي باشاغا على نحو أحادي الجانب.
ونبه باتيلي، إلى خطر اندلاع نزاع قد يتسم بالعنف إذا تم الإقدام على تسمية حكومة على نحو أحادي الجانب من قبل أي من الأطراف المتنافسة، داعياً مجلس الأمن الدولي إلى استخدام نفوذه لمنع هذا الانزلاق الخطير وتعبئة الأطراف الليبية للدخول في حوار.
ودعا المبعوث الأممي أصحاب الشأن جميعهم، بمن فيهم القادة الرئيسيين، إلى الاجتماع والاتفاق على تسوية سياسية ملزمة نحو عملية انتخابية سلمية، يكون عمادها حكومة موحدة لقيادة ليبيا إلى الانتخابات، مشيراً إلى أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على استعداد لتيسير هذه العملية.
ويعود أصل الخلاف في ليبيا حول تشكيل الحكومة الجديدة إلى رفض رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد دبيبة، تسليم السلطة رغم انتهاء ولاية حكومته، ويدعي سعيه لإجراء الانتخابات رغم أنه أحد أهم أسباب فشل إجرائها في ديسمبر 2021.
وتعليقاً على الموضوع قال عضو مجلس النواب الليبي حسن الزرقاء، في تصريحات صحفية، إن تشكيل الحكومة الجديدة لن يصبح عقبة أمام الانتخابات إذا ما كانت البعثة الأممية والدول المتدخلة في ليبيا جادة بشأن إجرائها.
وأضاف الزرقاء، أن “تشكيل الحكومة مهمة يضطلع بها مجلسي النواب والدولة، ويمكن للبعثة الأممية التنسيق معهما، ومتابعة مراحل تشكيلها”، مؤكداً على ضرورة أن “لا تمنح الحكومة الجديدة أي صلاحيات خارج نطاق التمهيد لإجراء الانتخابات، خلال إطار زمني يتراوح من 6 إلى 8 أشهر”.
من جهة أخرى قال المترشح الرئاسي أسعد زهيو، إن الحكومة الموحدة باتت عقبة أمام دخول قوانين الانتخابات حيز التنفيذ وبالتبعية عدم بدء العد التنازلي الذي أقرته لجنة 6+6 وهو الـ240 يوماً لإجراء الانتخابات.
وتوقع زهيو، أن تستنزف المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة كثيراً من الوقت، مع تصاعد الشكوك في إمكانية توافق فرقاء الأزمة على حل نهائي يمهد لميلاد الحكومة الجديدة واضطرار البعثة إلى البحث عن مسارات بديلة.
ولفت إلى أن دمج مادة الحكومة الموحدة في قوانين الانتخابات التي أنجزتها جنة 6+6 كان سببه مخاوف قيادات النواب والدولة من التهميش عقب إقرارهما للقوانين الانتخابية، كما كانت هناك أيضاً مخاوف من احتمال إسناد البعثة الأممية مهمة إجراء الانتخابات لأي سلطة تنفيذية تختارها بما في ذلك حكومة دبيبة.
وأكد زهيو، أن رغبة مجلسي النواب والدولة تلاقت في قطع الطريق أمام حكومة دبيبة، إذ يعدها البرلمان منتهية الولاية، إلا أن الخلاف بينهما عاد للظهور مع إعلان انتخاب محمد تكالة رئيساً جديداً لمجلس الدولة في أغسطس الماضي، مشيراً إلى أن الخلافات تصاعدت تدريجياً وبات اضطلاع البرلمان بمهمة تشكيل الحكومة بمفرده أمراً بالغ الصعوبة في ظل الرفض والتحذير الأممي من هذه الخطوة.
وأشار إلى أن البعثة الأممية ومن خلفها المجتمع الدولي، يتمسكون بتشكيل حكومة موحدة بتفاوض خماسي يضم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة، والقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوحدة عبد الحميد دبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي.
ولفت إلى أن عقيلة وحفتر، يرفضان انضمام دبيبة، لهذه المفاوضات لشكوكهما في إمكانية عرقلته للمسار التفاوضي لضمان بقاء حكومته بالسلطة.
من جهة أخرى طالب رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان، علي مصباح أبوسبيحة، في رسالة وجهها إلى المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، بالتحرك العاجل نحو إجراء الانتخابات تفادياً لأي تداعيات خطيرة.
وضم أبوسبيحة، صوته إلى أصوات مختلف القوى والفاعليات السياسية والاجتماعية والبيانات الصادرة من المترشحين لرئاسة الدولة المُطالبة بتشكيل حكومة وطنية وتحديد موعد للانتخابات، معرباً عن أمله في أن يمعن باتيلي، النظر في الحالة المتردية التي وصلت لها ليبيا على كافة الصعد.
وأكد أبوسبيحة، أن تأخير الانتخابات يعني السماح للقوى المتحكمة في ليبيا في الاستمرار في نهب وتدمير ما تبقي من المقومات المادية والمعنوية للشعب الليبي.
ويرى مراقبون أن عدم التوافق على تشكيل حكومة موحدة جديدة قبل نهاية العام الجاري 2023 سيؤجل إجراء الانتخابات لما بعد بداية عام 2024، وربما تطول الفترة ليتم إجرائها في نهاية 2024.