لا يرد على هاتفه، يتجاهل الرسائل على الواتساب بعد قراءتها، لا يتواصل مع الإعلاميين، وإذا عقد مؤتمراً صحفياً يتأخر في موعد خروجه ويكتفي بإعادة تلاوة ما تم إقراره من الحكومة.. هكذا وصف إعلاميين وصحفيين في العاصمة طرابلس المتحدث باسم حكومة الوحدة الوطنية محمد حمودة.
ظهر حمودة رئيس منظمة مجتمع مدني في طرابلس تُدعى H2O ، من ضمن فريق العمل السياسي لرئيس الحكومة في فبراير من العام الماضي، حتى تم تنصيبه متحدثا باسم الحكومة. ولكن عبر العديد من الإعلاميين والصحفيين عن امتعاضهم الشديد بسبب تعامل حمودة في انعدام التواصل غير المبرر مع الصحافة.
أجرت صحيفة الشاهد مقابلات مع عدد من الصحفيين العاملين مع الإعلام المحلي والدولي داخل طرابلس وبنغازي ومصراتة، وفضل الجميع عدم ذكر اسمهم وصفاتهم خوفاً من الانتقام الذي قالوا إنه: “أصبح جزءاً من هوية السلطات التنفيذية لقمع حرية التعبير في ليبيا.”
وفي مقابلة مع صحفي يعمل لصالح وسيلة إعلام دولية في أحد مقاهي وسط المدينة في طرابلس، قال: “لا أعلم ما هي الأسباب التي دعت محمد حمودة لعدم الرد والتواصل معنا. الأمر مزعج جدا ولا يوجد تفسير أن هناك متحدث للحكومة ولا يتحدث مع الصحافة.”
وأضاف: “محمد حمودة إما أنه غائب بسبب فشله في إدارة منصبه بالشكل الصحيح، أو هو مغيب عمدا بسبب الحاشية التي تحيط برئيس الحكومة الدبيبة، وأقصد هنا وليد اللافي وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية.”
اللافي هو المدير السابق لقناة النبأ ذات التوجهات الإسلامية المتطرفة وكانت الذراع الإعلامي لجماعة أنصار الشريعة في بنغازي كما كانت تصفهم “بالثوار وحفظة القرآن”.
يُدير الآن اللافي إدارة التواصل والإعلام في مبنى رئاسة الحكومة وهي الإدارة المسؤولة عن نشر كل نشاطات وأخبار رئيس الحكومة الدبيبة ووزرائه.
يعمل مع اللافي مجموعة من مديري قناة النبأ من بينهم باسم العرفي، وأحمد الفيتوري، الصحفي السابق في موقع أجواء البلاد، المغلق حالياً، والتابع لجماعة الإخوان المسلمين.
يقول موظف في ديوان الرئاسة، فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: “إن اللافي يتحكم بكل قنوات التواصل الإعلامية لرئاسة الحكومة، فتراه يحضر كل الاجتماعات سواء من اختصاصه أو لا من أجل السيطرة على المعلومات التي يجب أن يتم نشرها لعامة الشعب”.
أضاف: “هناك خلاف بين حمودة واللافي وبالأخص بعد أن شعر حمودة أنه لا يملك من المهارات التي تمكنه من العمل كمتحدث في وجود اللافي والعرفي المسيطرين على إدارة التواصل.”
“أرسل لحمودة مجموعة من الأسئلة في محاولة لمعرفة ما يجري لحدث ما ولكن تفاجأت بأنه يقرأ الرسائل ويهملها”.. هذا ما صرح به صحفي من مدينة مصراتة لصحيفة الشاهد، متابعاً: “ولكن بعدها توقفت عن إرسال أي رسائل أو حتى الاتصال به لأنه لا نفع منه.”
يقول الصحفيون والإعلاميون إنه باءت كل محاولاتهم بالفشل للوصول إلى رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة وتقديم شكاوى بسبب عدم قدرتهم على التواصل مع المتحدث باسم الحكومة.
وكثيراً ما يظهر حمودة خلف رئيس الحكومة في طرابلس الدبيبة في زياراته الميدانية أو حتى الدولية، ولكن دون أن يتواصل مع وسائل الإعلام للخوض في تفاصيل أنشطة وزيارات رئيس الحكومة.
وقال صحفي من إحدى الدول الأوروبية للشاهد: “كل مرة أزور فيها طرابلس لإجراء مقابلات مع السلطات، أجد أن كل الأبواب مغلقة أمامي ولا جدوى من المحاولة لأن للجماعات المسلحة القدرة على تغيير الموقف إلى أمر عدائي لا تحمد عقباه.
“تحصلت على رقم المتحدث حمودة وحذروني أنه سيكون من عجائب الدنيا السبع أن يرد عليك ولكن قررت المحاولة.. اتصلت به عبر الواتساب وأرسلت له رسائل لمدة ثلاثة أيام ولكن غريب أمره أنه لا يرد”.. هذا ما قاله الصحفي الأوروبي، مضيفاً: “لقد كانوا على حق، متحدث لا يتحدث.”
وفي مقابلة عبر الهاتف مع صحفية من مدينة بنغازي، قالت وهي تضحك: “إذا حمودة لا يرد ولا يتواصل مع من هم في طرابلس بجانبه, فكيف نحن في مدينة تبعده ألف كيلو متر بالإضافة إلى الانقسام السياسي.”
وتعيش ليبيا منذ قرابة سبع سنوات في انقسام سياسي حاد أدى إلى تشظي مؤسسات الدولة ما ألقى بظلاله على انعدام الخدمات للمواطن.
وتحاول بعثة الأمم المتحدة عبر مفاوضات سياسية متكررة للوصول إلى اتفاق يجمع الفرقاء.
وبعد أن تم تنصيب دبيبة في حوار جنيف برعاية أممية، تعهد بعدم الترشح للانتخابات التي تم الاتفاق على عقدها في ديسمبر العام الماضي، ولكن نقض دبيبة العهد وترشح للانتخابات ما زاد من توتر المشهد وأفشل الانتخابات.
وقال عضو من فريق منظمة H2O ، التي عملت منذ تأسيسها في 2011 على العمل بين رؤى الشباب والحكومات ومراقبة الانتخابات، إن حمودة طلب من فريق عمله “تخفيف لهجة المراقبة في تقاريرها عن الانتخابات في ليبيا” ما يفسر تعمد الحكومة من إفشال الانتخابات.
وتشهد العاصمة في هذه الأيام توترات أمنية بعد اتفاق سياسي محلي جمع بين رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، في مدينة طبرق شرق ليبيا، مع وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا من مدينة مصراتة.
شكّل باشاغا حكومة ومُنحت الثقة من البرلمان. ويحاول الآن الدخول إلى العاصمة طرابلس دون استخدام للقوة ولكن دائماً ما يكون للجماعات المسلحة رأي مختلف.
وتجمعت مركبات عسكرية في الطريق الساحلي بين مصراتة وطرابلس بعد أن حاول باشاغا الدخول ولكن فشل في ذلك.
وفي محاولة منه لمنع دخوله إلى طرابلس، أغلق رئيس الحكومة في طرابلس الدبيبة، بإغلاق المجال الجوي بين الشرق والغرب، ومازال الإغلاق مستمرا حتى الآن، ما أثر على أشغال وأعمال المواطنين المحتاجين للذهاب إلى طرابلس بسبب المركزية.
وفي تصريح لقناة بانوراما ذات التوجهات الإسلامية، قال حمودة إن إغلاق المجال الجوي كان بسبب تقارير تفيد بوجود طائرات بدون طيار حول مطار معيتيقة.
ومطار معيتيقة هو قاعدة عسكرية سابقة ومحطة لاستقبال كبار الزوار أثناء نظام العقيد الراحل معمر القذافي، وتحول إلى مطار مدني بعد أن قامت مجموعة مسلحة إسلامية تسمى “فجر ليبيا” بهدم مطار طرابلس الدولي في عام 2014. ويستعمل جزء كبير منه كمقر وسجن الجماعة المسلحة الردع , والجزء الآخر كقاعدة عسكرية تركية منذ منتصف 2019.
وبعد محاولات العديد من الصحفيين والإعلاميين التواصل مع حمودة لمعرفة تفاصيل الحادثة، قالوا: “بكل تأكيد لم يرد علينا”.. قال أحد محرري غرفة الأخبار للشاهد، إن حمودة اتصل بشكل سريع بالقناة لإلغاء الخبر فوراً.
ويقول مراقب في الشأن الإعلامي: “على الأغلب سيعتبر حمودة أن هذا المقال وما قاله الاعلاميين والصحفيين عنه أنها من ضمن المؤامرة ضد الحكومة وهو أمر مضحك لان كل ما يقال عنهم يقال إنها حملة تشويش. يجب عليه تدارك الموقف بشكل جدي , هذا أن بقت حكومة الدبيبة في منصبها.”
وبحسب تقرير منظمة مراسلون بلا حدود في العام الماضي، جاءت ليبيا في الترتيب الخامس مغاربياً، بينما احتلت الترتيب 164 دولياً، متأخرة نقطة عن السنة التي سبقتها.
ووصف التقرير العمل الإعلامي في البلاد قائلاً: “الصحفيون ووسائل الإعلام ضحايا النزاع المسلح”.
ويقول صحفيان: “شكوانا غير مسموعة أو بالأحرى لا نستطيع تقديم شكوى خوفاً من الانتقام. في كل مرة تأتي حكومة ونعيش شتى أنواع الصعوبات والتعسف معها ونقول إن هذه أسوا مرحلة في الإعلام، ولكن نعتقد أن حكومة دبيبة قد تغلبت عن من سبقها ومن سيأتي بعدها في قمع حرية الصحافة والإعلام.”