شهدت الأراضي الليبية طوال السنوات الماضية صراعات دامية ومحاولات من الجماعات الإسلامية المتطرفة والإخوان المسلمين، للسيطرة على مجريات الأمور، ولولا تصدي الجيش الوطني الليبي للتطرف والإرهاب، لكانت كل ليبيا، شرقها وغربها، يحكمها مجموعة من قادة الميليشيات وينشرون في ربوعها الإرهاب والقتل والفساد.
وبعد سنوات من المحاولات السياسية المستميتة لإيجاد حل للأزمة الليبية، وبعد عشرات الاجتماعات والمبادرات ومحاولات لم شمل الليبيين، اتفقت اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” في جنيف، والمشكلة من عسكريين في من طرفي الصراع، على وقف شامل ومستمر لإطلاق النار ووضع حدا للهلاك الذي يعيشه الشعب الليبي.
تضمنت تلك الاتفاقية عدة بنود، هدفها الأول هو تسهيل الأمور وفتح باب للمفاوضات السياسية لإيجاد حل شامل للأزمة الليبية بأيادي الليبيين دون تدخل خارجي في الأزمة، ولعل أبرز البنود التي نص عليها الاتفاق، إلغاء كافة الاتفاقيات التي أبرمت مع جهات خارجية ومن بينها الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية التي أبرمت بين حكومة الوفاق وتركيا، والتي فتحت باباً لاستعمار جديد يتحكم في مقدرات الليبيين.
وعلى الرغم من إدعاء حكومة الوفاق وأنصارها الترحيب بتلك المبادرة التي وضعت حدا لصراع دام سنوات وعانى منه الشعب الليبي، إلا أن وضعت “السم في العسل”، فمن ناحية رحبت بالاتفاق، ومن ناحية أخرى أكدت سريان كافة الاتفاقيات التي أبرمت مع الجانب التركي، لتظهر في موقف شديد التناقض، يعكس عدم وجود نية لحل الأزمة.
وخرج وزير الدفاع المفوض بحكومة الوفاق صلاح الدين النمروش، بتصريحات كشفت عن النية الحقيقية لإخوان ليبيا في استمرار الصراع وعدم أخذ خطوات نحو حل “ليبي _ ليبي”، وقال: “نؤكد على تعزيز التعاون المشترك مع الحليف التركي واستمرار برامج التدريب التي يتلقاها المنتسبون في معاهد التدريب التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق”.
“النمروش” أضاف في تصريحات له: “توقيع الاتفاق المبدئي (5+5) لا يشمل اتفاقية التعاون العسكري مع دولة تركيا حليف الحكومة الشرعية، واتفاقيات التدريب الأمني مع تركيا والعسكري يجب أن يتم التركيز عليها أكثر من أي وقت مضى خاصة إذا تم الالتزام بوقف إطلاق النار وإحلال السلام في ليبيا”.
وفي السياق نفسه، أعلن المجلس الاستشاري الليبي، ترحيبه باتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا الذي أعلنت عنه الأمم المتحدة، وعلى الرغم من ذلك “الترحيب”، أظهر المجلس تناقضا جديدا بتصريحه الذي أعقب “الترحيب”، وقال: “هذا الاتفاق سيمكن من عودة الرحلات الجوية بين الشرق والغرب ورفع القوة القاهرة عن الموانئ النفطية وانهاء الانقسام المؤسساتي، لكنه مجرد اتفاق بين قوة شرعية واخرى متمردة”.
وأضاف المجلس في بيانه الذي صدر اليوم الأحد: “الاتفاق لن يشمل ما أبرمته حكومة الوفاق من اتفاقيات مع الدولة التركية”، مشككا في نوايا الجيش الليبي وقدرته على الالتزام ببنود هذا الاتفاق.
وفي الوقت نفسه، وفور إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، سارع قادة الميليشيات وآمرو المحاور الموالين لحكومة الوفاق، بالإعلان عن تأسيس ائتلاف عسكري جديد من المليشيات المسلحة تحت اسم “القوات المدنية المساندة”.
ويسعى قادة الميليشيات الإرهابية أن يكون هذا الكيان الجديد جسم سياسي جديد يمكن أن يشاركوا به في الحوارات السياسية.