المفوضية الوطنية تعلن جاهزيتها.. ماذا يعطّل الانتخابات في ليبيا؟

0
121
الانتخابات الليبية
الانتخابات الليبية

على الرغم من تأكيد المفوضية الوطنية العليا للانتخابات جاهزيتها الفنية لإجراء الاستحقاقات المقبلة، فإن ليبيا لا تزال تقف أمام مسار انتخابي تتوافر له الشروط التقنية بينما تغيب عنه الشروط السياسية والقانونية الحاسمة.

فالمفوضية أعلنت استكمال إعداد لائحتي الطعون والمنازعات الخاصة بانتخابات رئيس الدولة ومجلس الأمة، إلى جانب وضع الميزانية التقديرية وإحالتها إلى مجلس النواب لاعتمادها، مع التشديد على ضرورة تأمين التمويل قبل منتصف أبريل 2026 لضمان استكمال التوريدات والإجراءات اللوجستية، إلا أنه رغم هذا المستوى المتقدم من التحضير، يظل تنفيذ الانتخابات رهين معضلات أعمق تتجاوز حدود الجاهزية الإدارية.

واليوم يأتي الحكم الصادر عن محكمة استئناف بنغازي، والقاضي بإلغاء قرارات المجلس الرئاسي المتعلقة بإنشاء هيئة موازية للمفوضية، ليعيد تسليط الضوء على الخلافات المؤسسية المحيطة بالعملية الانتخابية.


واعتبرت المحكمة أن المجلس الرئاسي تجاوز اختصاصاته وخالف القانون رقم 8 لسنة 2013 الخاص بإنشاء المفوضية، ما يعكس حجم التداخل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في مسائل يفترض أن تستند إلى قواعد دستورية واضحة. ومنح الحكم الصيغة التنفيذية في 9 ديسمبر 2025 أعاد السؤال حول قدرة المؤسسات على الالتزام بالقانون وضمان بيئة انتخابية مستقرة.

وبحسب مراقبون، يتمثل أبرز عناصر التعطيل في غياب قاعدة دستورية مستقرة تُنظم العملية من بدايتها، فالقوانين الصادرة عن لجنة (6+6) ما تزال موضع خلاف واسع، إذ يصفها معارضون بأنها امتداد لذات الترتيبات التي عطلت انتخابات ديسمبر 2021.

وبينما يميل رئيس مجلس النواب إلى إجراء انتخابات رئاسية أولًا، يتمسك نائبا الرئيس بدمج المسارين الرئاسي والبرلماني، في انقسام يعيد الأزمة إلى نقطة الصفر ويمنع التوصل إلى رؤية موحدة، كما تبرز أزمة تجاهل خيار الاستفتاء الدستوري، بعد أن قضت محاكم ليبية بضرورة الالتزام به باعتباره الاستحقاق المؤسس لشرعية أي انتخابات مقبلة، الأمر الذي تعتبره أطراف سياسية (الحل الجذري) لإنهاء الدورات الانتقالية المتكررة.


وفي موازاة ذلك، يدخل ملف إدارة المفوضية نفسها ضمن دائرة التعطيل، فرغم اتفاق مجلسي النواب والدولة على آلية لاختيار مجلس إدارة جديد، لم تُتخذ الخطوات العملية لتنفيذه، في حين تتعرض المفوضية لضغوط أممية لإعادة هيكلتها، ما أثار مخاوف من تهديد حياد مؤسسة تعد من آخر الجهات التي تحظى بثقة نسبية لدى المواطنين.

ويحذر مراقبون من أن إدراج المفوضية ضمن صفقات سياسية قد يدفعها إلى الانقسام كسائر المؤسسات، في وقت تتسع فيه الأزمة مع الاستخدام المتكرر لشعار “الإرادة الشعبية” دون وجود أدوات فعلية ترسخ هذه الإرادة عبر صناديق الاقتراع أو الاستفتاءات، ما يجعل الخطاب السياسي منفصلًا عن آليات التفويض الحقيقي ويعمّق الاستقطاب.

كما تبقى شروط الترشح محل خلاف، خصوصاً ما يتعلق بالجنسية والمناصب السيادية والازدواج الوظيفي والسن، في تكرار لمعضلات قوانين 2021 التي فتحت الباب أمام نزاعات واسعة أوقفت المسار الانتخابي.

ولا يمكن تجاهل الأبعاد الخارجية التي تضيف طبقات جديدة من التعقيد، إذ تتعرض البعثة الأممية لانتقادات متزايدة بشأن دورها في تشكيل المسار السياسي، بعدما تحوّل دورها – وفق منتقدين – من الوساطة إلى التأثير المباشر في ملفات حساسة كإعادة هيكلة المفوضية وصياغة التشريعات، كما تدخل مراكز بحث ومنظمات دولية على خط التحذير من أن أي خطوات غير محسوبة قد تُفقد الليبيين ما تبقى من ثقتهم في المؤسسات.

في المحصلة، يتضح أن تعطيل الانتخابات في ليبيا لا يرتبط بقدرة المفوضية على العمل، بل بغياب تسوية سياسية شاملة تنظم العلاقة بين السلطات وتحدد القاعدة الدستورية والقوانين والمواعيد والضمانات.

وبينما تواصل المفوضية أداء مهامها ضمن نطاق صلاحياتها، يظل تنفيذ الانتخابات رهين توازنات سياسية متغيرة وبيئة قانونية غير مستقرة، لتستمر حلقة “جاهزية بلا تنفيذ” وتبقى ليبيا أمام سؤال مفتوح: هل يتحقق التوافق الذي يطلق المسار الانتخابي أم ليبيا البلاد في دورة جديدة من الانتظار؟