تبرعات غزة تفضح لعبة الإخوان.. دعم إنساني يُحوَّل لجيوب التنظيم

0
148

تحولت مأساة الحرب في غزة خلال الشهور الماضية إلى ساحة مفتوحة لاستغلال التعاطف الشعبي، بعد تفجّر واحدة من أكبر قضايا جمع التبرعات المثيرة للجدل في المنطقة، والتي تورطت فيها شبكات مرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين في تركيا والأردن. وبينما كانت صور الدمار والضحايا تجتاح وسائل التواصل، بدأت المؤسسات المشتبه بها في تحويل المأساة إلى بوابة لجمع مئات الملايين تحت شعارات إنسانية، قبل أن يتضح أن جانبًا كبيرًا من هذه الأموال خرج عن الأهداف التي تبرع الناس من أجلها.

بدأت الأزمة بعدما تداولت حسابات على منصة «إكس» بيانًا منسوبًا لحركة حماس اتهمت فيه مؤسسات مرتبطة بالإخوان في تركيا بالتصرف في أموال جمعتها باسم غزة والقدس خارج الأطر المعلنة. وتضمن البيان رفع الغطاء عن مؤسسات «وقف الأمة»، و«منبر الأقصى»، و«كلنا مريم»، إلى جانب مجموعة من الشخصيات التي قالت الحركة إنها عملت بعيدًا عن التوجيهات، واستغلّت تزكيات سابقة لجمع التبرعات بطريقة أضرت بسكان غزة بدلًا من دعمهم.

القضية اتسعت بصورة غير مسبوقة بعد أن كشفت مصادر من داخل الحركة أن مؤسسة «وقف الأمة» قادت خلال الأسابيع الماضية حملة تبرعات هي الأكبر منذ تأسيسها، وجمعت وفق تقديرات واسعة ما يقارب نصف مليار دولار، دون أن تظهر أدلة على وصول هذه الأموال إلى القطاع، في ظل غياب أي بيان مالي رسمي يوضح أين صُرفت وكيف أُديرت. وأدى هذا الغموض إلى موجة نقاشات حادة على وسائل التواصل، خاصة بعد ظهور شاب عرّف نفسه بأنه من «حماس» وبدأ ينشر وثائق ومنشورات تتهم المؤسسة بالاستحواذ على الأموال وإدارتها بطريقة غير قانونية.

التفاعل تصاعد بعد دخول دعاة ومؤثرين من تيار الإخوان على خط الأزمة، وظهور سجالات علنية بينهم حول مصدر الأموال ومصيرها، قبل أن تتدخل الحركة ببيان رفع الغطاء الذي منح القضية بعدها السياسي والتنظيمي. وتؤكد وثائق منشورة أن «وقف الأمة» أطلقت منذ 2013 أكثر من ألفي حملة تبرعات، لكن الحملة الأخيرة كانت الأكثر توسعًا، واعتمدت على بث مباشر، مؤتمرات في تركيا، وإعلانات مدفوعة، ومحتوى ديني وعاطفي وظّف صور الأطفال والدمار لحشد التبرعات.

ورغم غياب الشفافية حول حجم الأموال الحقيقية، فإن خبراء في شؤون الحركات الإسلامية تحدثوا عن أرقام ضخمة خرجت من سياقها الإغاثي، في وقت تؤكد فيه تقارير دولية أن وصول التبرعات إلى غزة أصبح شبه مستحيل بسبب القيود المفروضة على العملات الرقمية والتحويلات المصرفية، ما جعل كثيرًا من هذه الحملات مجرد واجهة لأنشطة مالية غير مشروعة.

ولم يتوقف تأثير هذه الأزمة عند حدود تركيا أو فلسطين، بل وصل صداها إلى ليبيا، حيث ظهرت حملات مماثلة لجمع التبرعات دون أي سند قانوني. وأطلق إعلاميون وخبراء ليبيون تحذيرات من أن بعض الجمعيات التي تعمل دون ترخيص بدأت تستغل التعاطف الشعبي لجمع أموال تُحوّل إلى الخارج بطرق غير رسمية عبر الدولار والعملات المشفرة، ما يضغط على سوق الصرف ويرفع الطلب على العملات الأجنبية، ويؤدي إلى تدهور قيمة الدينار في وقت يعاني فيه المواطن من الغلاء والأزمات المعيشية.

ويؤكد اقتصاديون ليبيون أن هذه الممارسات تُعرض ليبيا إلى مخاطر كبيرة، من بينها إدراج البلاد ضمن دوائر الاشتباه الدولي في عمليات تمويل غير مشروع، وهو ما قد يؤدي إلى تقييد عمل المصارف الليبية وتعطيل التحويلات المالية، في مرحلة شديدة الحساسية سياسيًا واقتصاديًا. كما ينص القانون رقم 19 لسنة 2001 بوضوح على منع أي جمعية أو كيان من جمع الأموال دون إذن رسمي من رئاسة الوزراء، وهو ما يجعل هذه الحملات مخالفة للقانون.

وتبرز الأزمة اليوم باعتبارها جزءًا من شبكة إقليمية أوسع تستغل اسم غزة لتحقيق مكاسب مالية وسياسية، بينما يعيش أهل القطاع تحت حصار خانق وظروف إنسانية قاسية دون أن تصلهم غالبية الأموال التي تُجمع باسمهم. وفي ليبيا، يتزايد الوعي بخطورة الظاهرة، خاصة مع الدعوات المتواصلة لوقف أي حملات غير قانونية، وحماية الاقتصاد من الانزلاق نحو مسارات قد تؤثر على استقرار البلاد وتضيف عبئًا جديدًا على المواطنين.