مفترق طرق.. هل تهدد البعثة الأممية سيادة ليبيا الوطنية أم تنوي الإصلاح؟

0
122
إحاطة هانا تيتيه في مجلس الأمن
إحاطة هانا تيتيه في مجلس الأمن

قدمت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، هانا تيتيه، إحاطتها أمام مجلس الأمن مؤكدة أن خارطة الطريق تهدف إلى توحيد مؤسسات الدولة وتجديد شرعيتها عبر الانتخابات الرئاسية والتشريعية، مع التمهيد لحوار شامل حول المصالحة الوطنية والحكم والاقتصاد والأمن وحقوق الإنسان.

ويعكس هذا التوجه حرص البعثة على الحفاظ على الزخم السياسي بعد سنوات من الجمود، لكنه في الوقت نفسه يسلط الضوء على هشاشة الإرادة الليبية في الانخراط الكامل، إذ أظهرت تيتيه أن استكمال تعديل الإطار الدستوري والقانوني كان ممكناً خلال شهرين لو توفرت الإرادة السياسية.

التحليل هنا يشير إلى أن البعثة تمارس دوراً نشطاً في الدفع نحو الإصلاح المؤسسي، وهو دور يقترب من خط الفعل المباشر داخل مؤسسات الدولة، ما يضعها أحياناً على تماس مع حساسية السيادة الوطنية، غير أن أطرافاً ليبية ترى البعثة تهدد السيادة الوطنية.

أبرز إنجازات خارطة الطريق، بحسب تيتيه، كان الاتفاق على تشكيل مجلس المفوضية العليا للانتخابات بالتعيين المشترك بين مجلسي النواب والدولة، كخطوة أساسية لكسر الجمود السياسي.

ويُظهر هذا الترتيب محاولة لتجاوز الانقسام المؤسسي عبر آلية توافقية، لكنه يحمل في طياته مخاطر الانقسام الجديد إذا لم يُحظَ بقبول كامل من الأطراف الليبية، خصوصاً البرلمان والحكومة، ما يضع العملية الانتخابية تحت ضغط سياسي مستمر حتى قبل انطلاقها.

وفي الوقت ذاته، حرص البعثة على تنظيم حوار وطني بمشاركة واسعة وتمثيل نسائي لا يقل عن 35% يعكس سعياً لتطبيق معايير الشمولية، لكن هذه المعايير قد تتحول إلى نقطة توتر في حال اعتبرت بعض القوى المحلية أنها تُفرض من الخارج.

على الصعيد الأمني والاقتصادي، أشارت تيتيه إلى استمرار التوترات في طرابلس نتيجة اشتباكات بين مجموعات مسلحة، مؤكدة ضرورة دمج التشكيلات المسلحة في مؤسسات الدولة وتعزيز سلطة مدنية على الأجهزة الأمنية والعسكرية، كما نبهت إلى خطورة ضبط مصرف ليبيا المركزي كميات من العملة المزورة، داعية لتحقيق شامل وشفاف.

وتظهر إحاطة تيتيه أن الاستقرار المؤسسي مرتبط مباشرة بالاستقرار المالي والأمني، وأن أي إخفاق في هذه الملفات سيضعف فرص نجاح خارطة الطريق، ما يوضح الطبيعة المعقدة للمهمة التي تتجاوز مجرد إدارة الانتخابات إلى إدارة أزمات متعددة الأبعاد.

وتعكس المواقف الدولية التباين في الرؤية حول ليبيا، فقد رحبت فرنسا بخارطة الطريق، مؤكدًة على ثلاث ركائز أساسية: إطار قانوني للانتخابات، توحيد المؤسسات، وحوار وطني يضع الليبيين في مركز العملية السياسية، وهو موقف يهدف إلى تعزيز الضغط الدولي على الأطراف الليبية للاتفاق بسرعة، بينما اعتبرت روسيا أن الاجتماعات المنفصلة تحت مظلة عملية برلين تفاقم الانقسام الدولي، داعية إلى مشاركة جميع القوى الليبية لضمان الشمولية، ومؤكدة على حماية الأصول الليبية المجمدة، ما يعكس رؤية روسية تحفظية أكثر تجاه التدخل الخارجي المباشر.

وشددت الولايات المتحدة بدورها على أهمية توحيد المؤسسات السياسية لدعم سيادة ليبيا واستقرارها الاقتصادي، وأشادت بتعيين مسعود سليمان رئيساً للمؤسسة الوطنية للنفط، كخطوة لإعادة توحيد القطاع النفطي ودعم الاستثمار الدولي.

وتعني ردود الفعل الدولية أن كل طرف دولي يحاول استخدام خارطة الطريق لتحقيق توازن بين دعم الاستقرار وضبط النفوذ وفق مصالحه، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الداخلي.
ولم تكن ردود الفعل المحلية بعيدة عن التباين، فقد أظهرت الانقسام الواضح بين الترحيب والمعارضة، فقد رحب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بالإحاطة، مؤكداً الالتزام بالشراكة مع الأمم المتحدة والشفافية المالية.

بينما اعتبرت الحكومة المكلفة بقيادة أسامة حماد أن إحاطة تيتيه تجاوزت حدود مهام البعثة، وتدخلت في شؤون المؤسسات السيادية، مؤكدة أنها ستحمي السيادة الوطنية بالقوانين والإجراءات الدبلوماسية والسياسية والقضائية، ما يعني استمرار التوتر البنيوي بين الحاجة إلى الدعم الأممي لإنجاح خارطة الطريق، وبين رفض أي مساس بالاستقلالية المؤسسية، ما يجعل العملية السياسية في ليبيا معرضة للتأجيل أو الانزلاق في أزمات جديدة إذا لم يتحقق توافق داخلي واسع.

المؤكد أن المشهد الليبي الحالي يعكس مفترق طرق حقيقي بين إرادة البعثة الأممية في الدفع بالعملية السياسية، وبين الحاجة الملحة للحفاظ على السيادة الوطنية واستقلالية المؤسسات، وسط تباين مصالح القوى الدولية، ويظل نجاح أي مسار سياسي قائم على الحوار الوطني مرتبطاً بمدى قدرة الليبيين على التوافق داخلياً، مع الاستفادة من الدعم الدولي المتوازن لضمان إجراء انتخابات حقيقية وشرعية تؤسس لاستقرار دائم في البلاد.