تتناقض مع خارطة الطريق الأممية.. لماذا طرح المنفي رؤية لحل الأزمة الليبية الآن؟

0
111

في كلمة ألقاها أمام الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قدّم رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي رؤية سياسية جديدة لحل الأزمة في ليبيا، تقوم على أربع ركائز رئيسية تشمل استعادة السيادة الوطنية الكاملة ورفض جميع أشكال التدخل الأجنبي، وإطلاق حوار وطني شامل وصادق يعقد داخل ليبيا بمشاركة جميع الأطراف دون إقصاء، وتوحيد المؤسسات السيادية وعلى رأسها الأمنية والعسكرية والمالية بعيداً عن الاستقطاب والمحاصصة، وإنهاء المرحلة الانتقالية عبر قاعدة دستورية واضحة تتيح تنظيم انتخابات حرة وشفافة يختار فيها الليبيون من يحكمهم بإرادتهم دون وصاية أو تدخل خارجي.

المنفي شدد خلال كلمته على أن المجلس الرئاسي تمكن رغم التحديات من الحفاظ على أعلى درجات الاستقرار وتفادي الانزلاق نحو العنف، مؤكداً أن دماء الليبيين خط أحمر وأن وحدة البلاد وسيادتها ونسيجها الاجتماعي ليست محل مساومة، مشيراً إلى الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر 2020 وإنشاء لجنة للترتيبات الأمنية في طرابلس تحت إشرافه المباشر، وهو ما ساعد في تعزيز الاستقرار الأمني وجعل المرحلة الراهنة من أكثر الفترات هدوءاً منذ سنوات.

لكن هذه الرؤية، بحسب مراقبين، تضع المجلس الرئاسي في مواجهة مباشرة مع خطة البعثة الأممية. فقد كانت المبعوثة الخاصة إلى ليبيا هانا تيتيه قد طرحت أمام مجلس الأمن الدولي خارطة طريق شاملة تقوم على إطلاق حوار سياسي برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة موسعة من مختلف الأطراف، وتشكيل حكومة تنفيذية موحدة تشرف على إجراء الانتخابات خلال فترة انتقالية محدودة، إلى جانب العمل على توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، وإقرار قاعدة دستورية وقوانين انتخابية بالتوافق أو عبر آلية تيسيرية تديرها الأمم المتحدة في حال استمرار الخلافات.

المستشار السياسي لرئيس المجلس الرئاسي، زياد دغيم، أكد أن المنفي يجري مشاورات لتفعيل رؤيته عبر آلية سماها “الاستعلام الوطني” لحسم الخلافات حول القوانين الانتخابية وتحديد الجهة المخولة بإصدارها، موضحاً أن الحوار الوطني سيُدار بقيادة مشتركة تضم ممثلين عن المؤسسات الخمس الكبرى، وأن المجلس يعمل على تعزيز دور مدينة سرت كمقر للمؤتمر العام للمصالحة الوطنية.

في المقابل، رأى النائب سعيد امغيب أن هذه الرؤية لا يمكن وصفها بالواقعية في ظل التدخلات الأجنبية وتضارب المصالح الداخلية والخارجية، موضحاً أن تطبيقها يتطلب إرادة وطنية صادقة ودعماً إقليمياً ودولياً وجسماً تنفيذياً موحداً وقاعدة دستورية متفقاً عليها، مؤكداً أن كل هذه الشروط غير متوفرة حالياً. وأضاف أن رؤية المنفي تتناقض مع خطة تيتيه لأنها تنطلق من رفض التدخل الخارجي بشكل كامل، بينما تعتمد خارطة الطريق الأممية على وصاية مباشرة من الأمم المتحدة وصفها بأنها إدارة للأزمة وإعادة تدويرها.

أستاذ القانون راقي المسماري بدوره اعتبر أن تدخلات المجلس الرئاسي تأتي في الغالب لصالح بقاء حكومة الوحدة الوطنية في السلطة، معتبراً أن الرئاسي شريك في السلطة التنفيذية الحالية التي جاءت عبر اتفاق جنيف 2021 ولا يمكن أن يكون طرفاً محايداً في الحل، بل هو جزء من الأزمة نفسها. وأوضح أن اختصاصاته محدودة في التمثيل الخارجي واعتماد السفراء، لكن تحوله إلى مبادر سياسي رئيسي يعكس رغبة في إعادة التموضع أكثر من كونه طرحاً عملياً للحل.

ويرى متابعون أن توقيت إعلان هذه الرؤية لم يكن صدفة، بل جاء كرسالة سياسية للمجتمع الدولي مفادها أن المجلس الرئاسي لا يزال لاعباً أساسياً في الملف الليبي رغم أن خارطة الطريق الأممية تسعى عملياً إلى تقليص دوره لصالح حكومة تنفيذية جديدة تدير الانتخابات. وبينما يؤكد المنفي أن الهدف هو إعادة المسار السياسي إلى الداخل الليبي بعيداً عن التدخلات، يرى منتقدوه أن مبادرته قد تزيد من تعقيد المشهد وتفتح جبهة جديدة من التباينات بين المؤسسات الليبية وبين البعثة الأممية نفسها.

وبينما لا تزال خارطة الطريق الأممية تنتظر قبولاً داخلياً واسعاً لتفعيلها، يطرح تساؤل بارز نفسه: هل تشكّل رؤية المنفي محاولة لتقديم بديل محلي عن المسار الدولي، أم أنها مجرد ورقة سياسية ستنضم إلى سلسلة المبادرات المؤجلة في المشهد الليبي المعقد؟