المصالحة الوطنية في ليبيا.. ما الذي تحتاجه لتصبح واقعاً؟

0
125

تظل المصالحة الوطنية في ليبيا أحد أكثر الملفات حساسية وإلحاحاً منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، وما تبع ذلك من صراعات مسلحة وانقسام سياسي ومؤسساتي. فبعد أكثر من عقد من الفوضى، لا تزال البلاد تبحث عن صيغة جامعة تُمكّن أبناءها من تجاوز خلافاتهم والالتقاء حول مشروع وطني يفتح آفاق الاستقرار والتنمية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم هو: ما الذي تحتاجه ليبيا لتتم المصالحة الوطنية على أرض الواقع، بعيداً عن الشعارات والتصريحات السياسية؟

في هذا السياق، افتتح رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي يوم الخميس الاجتماع السابع للجنة التحضيرية لمشروع المصالحة الوطنية في طرابلس، بحضور ممثلين عن الاتحاد الإفريقي، وسفراء اللجنة رفيعة المستوى، إضافة إلى بعثة الأمم المتحدة وعدد من البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية. وأكد المنفي أن الاجتماع يأتي في “ظرف تاريخي دقيق”، معتبراً أن المصالحة ليست شأناً داخلياً فحسب، بل مسألة ترتبط بأمن المنطقة واستقرارها. وشدد على أن المصالحة الوطنية تمثل أولوية قصوى لبناء دولة موحدة يسودها القانون، داعياً الأطراف كافة إلى إظهار إرادة صادقة وتقديم تنازلات شجاعة.

ومنذ عام 2022، رعى المجلس الرئاسي سلسلة من الاجتماعات في مدن ليبية عدة، بهدف التحضير لمؤتمر وطني جامع للمصالحة كان من المقرر انعقاده في مدينة سرت أبريل العام الماضي، غير أن المؤتمر تعثر بسبب استمرار الأزمات وانسحاب بعض الأطراف. هذا التعثر أعاد إلى السطح الجدل حول قدرة مؤسسات الدولة على قيادة هذا الملف الحساس وتحقيق اختراق ملموس.

وعلى الصعيد التشريعي، أقر مجلس النواب في يناير الماضي قانون المصالحة الوطنية بالأغلبية، بعد مشاورات مع خبراء ومكونات اجتماعية وقانونية. القانون وُصف بأنه محاولة لإغلاق ملفات الماضي عبر جبر الضرر وتعويض المتضررين وإتمام المصالحة العرفية والاجتماعية والقانونية. غير أن المجلس الرئاسي رفض القانون، معتبراً أن إقراره بشكل أحادي “يعرقل المسار ويهدد الشراكة الوطنية”، مؤكداً في بيان أن الخطوة ستزيد من تعقيد الملف، وأنه سيواصل قيادة المشروع وفق صلاحياته وبالتنسيق مع الاتحاد الإفريقي وبعثة الأمم المتحدة.

ويجمع المراقبون على أن التحدي الأكبر يكمن في الانقسام المستمر بين الشرق والغرب، وانقسام المؤسسات السيادية، إضافة إلى تعدد مراكز القوى المسلحة. ويرى كثيرون أن أي مشروع للمصالحة سيظل هشاً ما لم يُستكمل بتوحيد مؤسسات الدولة، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وحل الميليشيات، وحصر السلاح بيد الدولة. كما يشيرون إلى أن وجود سلطة تنفيذية موحدة وفاعلة هو شرط أساسي لتطبيق القانون على الجميع وضمان عدم انهيار أي اتفاقيات مستقبلية.

وإلى جانب هذه التحديات السياسية والأمنية، تبرز حاجة ملحة لإشراك المكونات الاجتماعية والمجتمع المدني بشكل أكبر في العملية، بما يضمن بناء ثقة حقيقية بين الليبيين. فالمصالحة لا تتحقق بمجرد القوانين أو المؤتمرات، بل تتطلب معالجة الجراح العميقة التي خلفتها سنوات الحرب والانقسام، عبر آليات للعدالة الانتقالية والإنصاف وتعويض المتضررين.

إن الطريق نحو مصالحة وطنية شاملة في ليبيا لا يزال طويلاً، لكنه ليس مستحيلاً. فبتوافر الإرادة السياسية، وتكامل الجهود المحلية مع الدعم الإقليمي والدولي، يمكن لليبيين أن يضعوا أسساً متينة لمشروع وطني جامع يعيد للدولة وحدتها وهيبتها، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من السلام والتنمية.