أخونة التعليم في ليبيا.. ما وراء لقاء المفتي المعزول ووزير التعليم العالي بحكومة الوحدة؟

0
117

تكثّف جماعة الإخوان تحركاتها لإعادة السيطرة على المشهد الليبي من بوابة التعليم، عبر مشروع أيديولوجي يستهدف العقل الجمعي للأجيال القادمة.

وتمثل أحدث مظاهر هذا التوجّه في لقاء جمع وزير التعليم العالي بحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، بالمفتي المعزول الصادق الغرياني، لبحث أوضاع الكليات الشرعية وسبل دعمها، في خطوة تعكس تحركاً موجهاً لتوظيف التعليم الديني في إعادة إنتاج البنية الفكرية للإخوان داخل ليبيا.

اللقاء الذي حاولت الوزارة تسويقه كجزء من جهود “دعم جودة التعليم الديني وترسيخ الوسطية”، يحمل في طياته دلالات سياسية أعمق تتجاوز ظاهر الملف الأكاديمي.

فالغرياني، الذي يعد أحد أبرز رموز التطرف في ليبيا وأكثرهم جدلاً، لطالما استخدم المنابر الدينية والإعلامية للترويج لأفكار متشددة، ودعم الميلشيات، فضلاً عن تبنيه خطابًا مناهضًا للدول الداعمة للاستقرار في ليبيا.

وبحسب مراقبين، تعكس التحركات الجارية تعكس نمطاً ممنهجاً يتجاوز المصادفة أو العفوية، فمحاولة ربط مؤسسات التعليم الديني بمرجعية دينية ذات طابع متشدد تمثل خطوة جديدة نحو “أخونة” التعليم العالي، عبر إحلال كوادر ذات توجهات أيديولوجية محددة في مواقع التأثير الأكاديمي.

وينذر ذلك بولادة جيل جديد مبرمج على أدبيات الجماعة، ومؤهل لاحقاً للانتشار داخل مفاصل الدولة من بوابة المساجد، والجامعات، والقطاعات الإدارية.

لا يمكن فصل هذا المسار عن التكتيك المعروف للجماعة في محاولاتها التمدد داخل الدول العربية، فالتغلغل عبر المؤسسات التربوية والتعليمية كان دوماً أحد أبرز أدوات الإخوان لإعادة تشكيل الهوية العامة للمجتمعات، وخلق حواضن بشرية مؤدلجة تؤمن بالمنهج وتعيد إنتاجه.

وتُظهر التجربة الإخوانية في دول مثل مصر واليمن وسوريا كيف تحولت المدارس والمعاهد إلى مراكز تجنيد فكري، قبل أن تنفجر تداعياتها في شكل صراعات عنيفة داخل النسيج الوطني لهذه الدول.

وتتزايد المخاوف من أن تكون ليبيا على أعتاب تكرار السيناريو ذاته، مع افتقار مؤسسات الدولة إلى القدرة على ضبط المحتوى المعرفي وتحييد التعليم عن الاستقطابات السياسية.

ويرى باحثون في شؤون حركات العنف، أن القبول بمشاركة مرجعية دينية مصنّفة على لوائح الإرهاب في دول عربية، داخل عملية صياغة المنهج أو توجيه التعليم، يعني عملياً تسليم البنية التربوية لمشروع مضاد للدولة المدنية، ومؤسس لهوية بديلة تتصادم مع فكرة الوطن وتتماهى مع مشروع التنظيم الدولي للإخوان.

وفي خلفية هذا التحرك، تبدو طرابلس مهيأة أكثر من أي وقت مضى لتكون نقطة ارتكاز لإعادة تدوير الجماعة داخل المنطقة، خاصة في ظل تقلص نفوذها في دول محورية، وتصاعد الضغوط الإقليمية والدولية عليها، في ظل بيئة خصبة لإعادة إنتاج التنظيم في ثوبه الجديد: تيار فكري لا يحتاج لانتماء تنظيمي، بقدر ما يعتمد على تطويع العقول وتشكيل الاتجاهات وتهيئة جيل كامل ليتبنى المنطلقات الفكرية دون أن يضع قدمًا رسميًا داخل الجماعة.

ولا تكمن الخطورة فقط في الحضور الرمزي للغرياني داخل المنظومة التعليمية، بل في ما يرافق ذلك من احتمالات إعادة هندسة الخطاب الديني والتربوي ليخدم أجندات التنظيم، فمصطلح “الوسطية” الذي يتم الترويج له في هذا السياق، لم يعد يحمل دلالته الحقيقية، بل أُفرغ من محتواه وتحول إلى غطاء لتسويق أيديولوجيات متشددة بصيغة مخففة، تجعلها مقبولة لدى الجمهور، وقابلة للاختراق في المؤسسات.

ولا يمكن إغفال ما يتردد عن وجود مناهج جاهزة وكتب تربوية تم إعدادها في وقت سابق داخل بيوت الخبرة التابعة للتنظيم، تُستخدم اليوم في إعادة صياغة خطاب التعليم الديني، بما يضمن إنتاج هوية دينية مُسيسة، وخطاب دعوي مسيّس، يُهيّئ المناخ لعودة التنظيم بشكل ناعم لكن فعّال.

ولا يمكن اعتباره مجرد لقاء بروتوكولي بين مسؤول ومرجع ديني، بل هو حلقة جديدة في مسار متصاعد لإعادة تموضع جماعة الإخوان في ليبيا عبر أدوات غير درامية، وإذا لم يُواجه هذا المشروع بإرادة سياسية واضحة وإصلاح مؤسسي شامل، خاصة أن رئيس حكومة الوحدة وقياداتها يتركون مساحة للتنظيم ورجاله للتحرك، بل يعتمدون عليهم في إيجاد شرعية لهم في الشارع الليبي.