للمرة الثانية.. لماذا أوقفت “استئناف طرابلس” قرار الدبيبة بتغيير رئيس جهاز الشرطة القضائية؟

0
253
عبدالحميد الدبيبية في لقاء مع عناصر جهاز الشرطة القضائية
عبدالحميد الدبيبية في لقاء مع عناصر جهاز الشرطة القضائية

في مشهد يعكس حالة الاستهتار المتزايد بمبدأ الفصل بين السلطات، قضت محكمة استئناف طرابلس، الأربعاء، بوقف تنفيذ قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة القاضي بإعفاء رئيس جهاز الشرطة القضائية صبري هدية، وتكليف وكيل وزارة العدل علي اشتيوي، الملقب بـ”السريعة”، بدلاً منه، وهو حكم أعاد الملف برمّته إلى واجهة الجدل القانوني والمؤسسي في البلاد.

ولم يكن قرار المحكمة، الذي جاء استجابة لطعن عاجل تقدّم به هدية، مفاجئاً بالنظر إلى ما وصفه قانونيون بـ”الاختلال الجسيم في شكل القرار ومضمونه”، مؤكدين أن التكليف جاء خارج الأطر الإدارية المتعارف عليها، وبلا أسباب مهنية معلنة، في وقت يشهد فيه الجهاز تحديات كبيرة تتعلق بالنفوذ المسلح والانقسام المؤسسي.

ورغم صدور الحكم القضائي، خرج وكيل وزارة العدل علي اشتيوي في 22 يوليو، بتصريحات أعلن فيها مباشرة مهامه، ضارباً بالحكم عرض الحائط، وقال: “باشرت مهامي رسمياً تنفيذاً لأحكام قرار رئيس الحكومة.. والجهاز النظامي يجب أن يكون نموذجاً في احترام الأوامر الصادرة عن السلطة العليا، والالتزام بمبدأ المشروعية القانونية”.
المثير أن “السريعة” وجّه اتهامات صريحة للرئيس السابق للجهاز، متحدثاً عن ورود شكاوى من منتسبين تعرّضوا لإجراءات عقابية غير قانونية بسبب امتثالهم لقرارات الدبيبة، معتبراً ما تعرّضوا له “اغتصاباً للسلطة”، ومؤكداً أن أي قرارات أو عقوبات تصدر من هدية “باطلة ولا تنتج أي أثر”، على حد وصفه.

لكن مراقبين اعتبروا هذه التصريحات تجاوزاً مزدوجاً، ليس فقط للقضاء، بل وللقيم المؤسسية، إذ كيف يُباشر المسؤول المعيّن مهامه في ظل حكم قضائي نافذ بوقف تنفيذ القرار؟ وأين تقف حدود الالتزام بـ”المشروعية القانونية” إذا كانت المحكمة نفسها قد أبطلت هذا التكليف؟

في المقابل، استند الدبيبة في دفاعه عن قرار الإقالة إلى ما وصفه بـ”مشروع وطني لإصلاح جهاز الشرطة القضائية”، حيث صرّح خلال مؤتمر صحفي عقده في 20 يوليو، بأن حكومته لن تتراجع عن إعادة هيكلة الجهاز، و”إبعاده عن نفوذ المجموعات المسلحة”، مؤكداً أن بعض السجون لا تزال تُدار من قبل أفراد متورطين في قضايا خطيرة مثل التعذيب والاغتصاب والقتل.

ورغم ما حملته التصريحات من شعارات إصلاحية، إلا أن خطوات التنفيذ على الأرض تشير إلى أن الهدف لم يكن تفكيك شبكات النفوذ، بقدر ما كان إعادة ضبط الجهاز بما يخدم تمركز سياسي داخل الحكومة، فالمكلّف الجديد يُعد من المقرّبين إلى رئيس الحكومة، وتم منحه القرار رغم الاعتراضات الداخلية والحكم القضائي الصريح بوقف تنفيذ التكليف.

ووصف نشاط حقوقيون وصف هذا المسلك بأنه “تحدٍّ فجّ للقضاء، وتقويض صارخ لقيم العدالة”، ن إصدار الدبيبة قراراً جديداً في 21 يوليو، بإعادة تكليف الشتيوي رغم صدور حكم بإيقاف القرار ذاته، يمثل التفافاً صريحاً على القضاء، ويعكس استخفافاً متعمداً بسلطة المحاكم.

منتسبو الجهاز أنفسهم سبق أن عبّروا عن رفضهم للطريقة التي تم بها إعفاء هدية، مشيرين إلى أن القرار يفتقر إلى أي تقييم إداري مهني، ويُحمّل الجهاز أعباء تجاذبات سياسية غير مسؤولة، فما يحدث لا علاقة له بالإصلاح، بل هو إعادة تدوير للولاءات وفرض أسماء بقوة النفوذ السياسي.

ويُعد جهاز الشرطة القضائية واحداً من أكثر المؤسسات الأمنية حساسية، نظراً لطبيعة ارتباطه بالسجون ومراكز الاحتجاز وملفات حقوق الإنسان، ومع ذلك، تبدو الحكومة الحالية عاجزة عن تقديم رؤية إصلاح واضحة، مكتفية بقرارات مرتجلة تُقابل إما برفض داخلي أو بإبطال قضائي، ما يعكس اضطراباً هيكلياً في إدارة الملف الأمني.

وفي ظل هذا المشهد المتصادم بين القضاء والتنفيذ، لا يبدو أن مشروع “تحرير الجهاز” كما وصفه الدبيبة يعبّر عن تحوّل مؤسسي حقيقي، بقدر ما يرسّخ نهج التمكين السياسي داخل بنية الدولة، ولو على حساب الشرعية القانونية.