هل المقاومة ذريعة؟.. إيران بين شعارات العداء وتفكيك السيادة في الدول العربية

0
139

في وقتٍ تواجه فيه الدول العربية والمغاربية تحديات متزايدة تمسّ استقرارها الداخلي وسيادتها الوطنية، تبرز إيران كأحد أبرز الفاعلين الخارجيين الذين يستخدمون أدوات “التمدد الناعم” والتدخل غير المباشر في شؤون الدول، عبر تمويل شبكات مذهبية، وتسليح جماعات انفصالية، وتغليف ذلك بشعارات المقاومة والعداء لإسرائيل. إلا أن هذا الخطاب ما عاد يقنع الشارع العربي، خاصة في ضوء الأدلة المتكررة على تورط طهران في مشاريع تخريبية تحت ستار الدعم السياسي أو الديني.

في العام 2018، أعلنت الحكومة المغربية رسميًا عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، متهمةً إياها بشكل مباشر، ومن خلال ذراعها حزب الله اللبناني، بتقديم دعم عسكري وتدريبي لجبهة البوليساريو الانفصالية، انطلاقًا من الأراضي الجزائرية وبواسطة عناصر إيرانية كانت تتحرك ضمن الغطاء الدبلوماسي في سفارة طهران بالجزائر. لم يكن هذا القرار مفاجئًا بالنظر إلى مؤشرات متصاعدة على محاولات إيران لاختراق النسيج المجتمعي والسياسي في المغرب العربي، عبر أدوات ثقافية وتعليمية ودينية هدفها خلق ولاءات بديلة عن الدولة الوطنية.

ورغم محاولات طهران الترويج لصورتها كمساند للقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إلا أن سجلّها الإقليمي يحمل نمطًا واضحًا من التدخلات التي أفضت إلى انهيار دول وانقسام مجتمعات. في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لم تكن النتيجة مقاومةً حقيقية، بل حروب أهلية، ميليشيات طائفية، وسيطرة سياسية مفروضة بقوة السلاح وبدعم مباشر من الحرس الثوري.

الخطاب الإيراني الذي يهاجم إسرائيل لا يُترجم إلى دعم حقيقي للقضية الفلسطينية، بل يُستخدم كأداة لتلميع مشروع جيوسياسي يهدف لتفكيك المجتمعات العربية من الداخل. وبهذا، فإن من يدعم انفصال أراضي العرب كما يحدث في الصحراء المغربية، أو يبرر تسليح الميليشيات في ليبيا واليمن، لا يمكن اعتباره جزءًا من محور المقاومة، بل هو خنجر في خاصرة السيادة الوطنية.

كما أن محاولات إيران المتكررة لنشر المذهب الشيعي في بيئات عربية ذات أغلبية سنية تُعد امتدادًا لسياستها في لبنان والعراق، حيث تحولت المساجد والمراكز الدينية إلى أدوات تعبئة طائفية. وقد حذرت تقارير عديدة من نشاط جمعيات إيرانية ذات طابع خيري وثقافي تعمل تحت عناوين إنسانية، لكنها تخدم أجندة مذهبية في عمق المجتمعات المغاربية، من ليبيا إلى تونس والجزائر.

في هذا السياق، يلفت مراقبون إلى خطورة تغاضي بعض التيارات الإسلامية واليسارية في المنطقة عن الدور التخريبي لإيران، إما بدعوى “التضامن الأممي” أو “العداء لإسرائيل”. لكن استمرار هذه المقاربة يجعل تلك الأطراف في موقع التواطؤ السياسي، خاصة عندما يُبرَّر المساس بالسيادة الوطنية أو التلاعب بالهوية الدينية باسم مقاومة مفترضة لم تُنتج سوى الانقسام والفوضى.

ومع تكرار الرسائل الرسمية من الرباط بشأن خطر الاختراق الإيراني، يبدو من الضروري تعزيز وعي وطني وشعبي مغاربي–عربي يعيد تعريف “العدو” وفق معيار السيادة والمصلحة لا على أساس صراعات رمزية، ويضع حداً لخطاب التضامن المضلل مع نظامٍ تورّط في ارتكاب مجازر في الموصل وحلب وصنعاء وبيروت، وساهم في تقسيم المجتمعات بدلًا من تحريرها.

إذا كانت المقاومة الحقيقية تبدأ من احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، فإن إيران، بكل سجلها التدخلي، لم تكن في صف العرب، بل ضدهم، وما على من يرفع راية العروبة أو فلسطين إلا أن يعيد النظر: من يقاوم مَن؟ ومن يخترق مَن؟