للجمعة الثالثة على التوالي شهدت العاصمة الليبية طرابلس، أمس الجمعة، مظاهرات شعبية حاشدة تطالب بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وسط تصاعد حالة الغضب الشعبي من تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية وتعثر إجراء الانتخابات، واستمرار الاشتباكات بين التشكيلات المسلحة.
احتشد آلاف المواطنين في ميدان الشهداء وسط طرابلس، رافعين شعارات مناهضة للحكومة، أبرزها “الشعب يريد إسقاط الحكومة”، ورفعوا البطاقة الحمراء في إشارة رمزية للمطالبة برحيل السلطة التنفيذية الحالية، والتي يتهمها المحتجون بالفشل في إدارة المرحلة الانتقالية، وعدم القدرة على فرض الأمن أو تحسين الظروف المعيشية وإجراء الانتخابات.
كما شهد محيط مقر بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تظاهرات مماثلة، طالب فيها المتظاهرون بسحب الاعتراف الدولي من حكومة الدبيبة، وفتح الطريق أمام تشكيل حكومة موحدة تقود البلاد إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وتأتي هذه الاحتجاجات في ظل تصاعد التوترات الأمنية في العاصمة منذ منتصف مايو الجاري، عقب الاشتباكات التي اندلعت عقب مقتل قائد جهاز دعم الاستقرار عبدالغني الككلي الملقب بـ”غنيوة”، وما تبعه من مواجهات بين الجهاز واللواء 444 قتال، ثم جهاز الردع، بعد قرار عبد الحميد الدبيبة بحل الجهاز بشكل مفاجئ.
ورغم محاولة الدبيبة احتواء الأزمة من خلال كلمة مصورة برّر فيها ما جرى باعتباره “خطأً مشتركًا”، وألقى فيها باللوم على تغول الجماعات المسلحة، إلا أن الشارع لم يبدُ مقتنعًا، خصوصًا بعد أن طفت إلى السطح ملفات فساد وأزمات خدمية حادة، من بينها ملف دواء الأورام الذي أثير بشأنه جدل واسع بسبب استيراده من العراق بضغوط من ميليشيات كانت تتبع الككلي، وفق تصريحات الدبيبة نفسه.
الاحتجاجات لم تقتصر على طرابلس، ففي الجمعة الماضية امتدت إلى مدن الزاوية وصبراتة وصرمان، كما شهدت مدينة مصراتة مسقط رأس رئيس الحكومة، مظاهرات لافتة عبّر المشاركون فيها عن استنكارهم لاستمرار الفوضى الأمنية وطالبوا بتغيير سياسي عاجل.
كما شكّلت سلسلة استقالات من داخل حكومة الوحدة الوطنية مؤشرًا على هشاشة موقفها، إذ قدّم عدد من الوزراء استقالاتهم عقب بدء المظاهرات يوم الجمعة الموافق 16 مايو، من بينهم وزراء الحكم المحلي، والموارد المائية، والإسكان.
ويرى محللون سياسيون أن استمرار المظاهرات للأسبوع الثالث بهذا الزخم يعكس تحوّل الحراك الشعبي من مجرد احتجاج عابر إلى موجة ضغط منظم، قد تفرض تغييرات حقيقية في تركيبة السلطة.
في هذا السياق، جاء تحرك مجلس النواب الليبي باعتباره استجابة مباشرة لمطالب الشارع، حيث أعلن بدء إجراءات تشكيل حكومة جديدة موحدة تتولى قيادة المرحلة المقبلة. وفي خطوة عملية، عقد المجلس جلسة رسمية في مدينة بنغازي يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين للاستماع إلى برامج المرشحين لرئاسة الحكومة.
وشهدت الجلسة عرض رؤى 12 مرشحًا من خلفيات سياسية وأكاديمية واقتصادية مختلفة، في مقدمتهم وزراء سابقون وأكاديميون ومرشحون رئاسيون، وسط آمال بأن تفرز هذه العملية قيادة تنفيذية قادرة على توحيد البلاد وإنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات.
ويشير بعض المراقبين إلى أن الأزمة الحالية تمثل اختبارًا صعبًا لشرعية حكومة الدبيبة، التي تواجه انتقادات متزايدة من الداخل والخارج، في ظل تعثر المسارات السياسية، واستمرار الانقسام بين مؤسسات الدولة.
وبينما تتسع رقعة الغضب الشعبي، تبدو حكومة الدبيبة أمام مأزق حقيقي، في وقت تتعثر فيه كل المبادرات الرامية لتوحيد السلطة التنفيذية، مما يعيد إلى الواجهة تساؤلات حول قدرة المشهد السياسي الليبي على تجنب الانفجار الكامل، وما إذا كانت هذه المظاهرات تمثل بداية النهاية لمرحلة الدبيبة.
- انشقاقات في صفوف اللواء 444 قتال التابع لحكومة الوحدة
- أحزاب ليبية تبحث مع البعثة الأممية إطلاق عملية سياسية موحدة وانتخابات شاملة
- ليبيا.. استعدادات مكثفة لتأمين العاصمة طرابلس في عيد الأضحى
- مجلس النواب الليبي يدعو لجلسة رسمية في بنغازي الإثنين المقبل
- وزير الخارجية المصري: الانتخابات وتفكيك الميليشيات صمام أمان لاستقرار ليبيا