يتصاعد التنافس بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي في ليبيا حول صلاحية تشكيل السلطة التنفيذية، في لحظة سياسية دقيقة تعيشها البلاد وسط انسداد في المسار الانتخابي، وتراجع ثقة الشارع في قدرة المؤسسات القائمة على إحداث اختراق يُفضي إلى تسوية شاملة.
ولا يقتصر هذا التنافس على توزيع الصلاحيات أو تفسير النصوص، بل يعكس صراعاً أعمق على الشرعية، ومحاولة من كل طرف لإعادة تموضعه كفاعل أساسي في خارطة الحكم المقبلة، خصوصاً مع التباين الكبير في مقاربات الحل، سواء من جهة البرلمان الذي يدفع باتجاه تشكيل حكومة جديدة، أو المجلس الرئاسي الذي يطرح خيار الاستفتاء الشعبي على مسارات التسوية المقترحة.
في تصريحات تلفزيونية مساء الثلاثاء، شدد مستشار رئيس المجلس الرئاسي للشؤون التشريعية والانتخابات زياد دغيم، على أن تعيين رئيس الحكومة يندرج ضمن صلاحيات رئيس الدولة، والتي يتولاها حالياً المجلس الرئاسي، موضحاً البرلمان لا يملك حق تسمية رئيس الحكومة، متسائلاً: “أتحدى أي نائب أن يُظهر نصاً يمنح مجلس النواب أو مجلس الدولة هذا الحق”.
ويستند دغيم إلى تأويل دستوري للفراغ التشريعي، مفاده أن أي صلاحية غير منصوص عليها للمؤسسات الأخرى، تؤول تلقائياً إلى رأس الدولة المؤقت، أي المجلس الرئاسي، وفقاً لما سماه “تراتبية المشروعية السياسية”.
ويأتي هذا الطرح في سياق محاولة المجلس الرئاسي الدفع بمسار مختلف، يقوم على استفتاء شعبي يقرر من خلاله الليبيون شكل التسوية، بناء على الخيارات الأربعة التي خلصت إليها اللجنة الاستشارية برعاية أممية.
وتشمل هذه الخيارات: إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، أو انتخابات برلمانية أولاً ثم إعداد دستور، أو اعتماد دستور دائم أولاً ثم الذهاب للانتخابات، أو تشكيل لجنة حوار جديدة لصياغة توافق نهائي على المسار الدستوري والتنفيذي.
ويبدو أن الرئاسي يسعى من خلال هذا المسار إلى تجاوز الهيمنة التشريعية للبرلمان، وإعادة تفعيل دوره كمؤسسة سيادية لها شرعية شعبية، لكن على الجانب الآخر، يتحرك مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، موازٍ لا يُعير اهتماماً كبيراً لمواقف المجلس الرئاسي أو خياراته، وذلك في مسار مواز لتشكيل حكومة جديدة موحدة، باعتباره السلطة المنتخبة لتشكيل حكومة جديدة.
وفي جلسة عُقدت الثلاثاء -وُصفت بأنها مفصلية- استمع النواب لعدد من المترشحين لرئاسة الحكومة، على أن تُستكمل الجلسات الأربعاء لاختيار رئيس جديد للسلطة التنفيذية.
وأكد عقيلة أن تشكيل حكومة موحدة شرط أساسي لإجراء الانتخابات، مستشهدا بموقف مجلس الأمن الدولي الذي يدعو إلى توحيد المؤسسات، موضحاً أن أكثر من 100 نائب من مجلس النواب ومثلهم من مجلس الدولة قد زكوا مرشحين لرئاسة الحكومة، ما يُظهر – من وجهة نظره – أن هناك توافقاً واسعاً داخل المؤسستين التشريعيتين على تجاوز حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، التي اعتبرها فاقدة للشرعية منذ سحب الثقة منها.
ومع ذلك، يتجاهل هذا المسار ما يعتبره خصوم البرلمان تفرداً سياسياً وإعادة إنتاج للانقسام، خاصة وأن حكومة موازية ستفتح باباً لصراع الشرعيات التنفيذية مجدداً، وتُعيد إلى الأذهان سيناريوهات الانقسام بين الشرق والغرب التي طغت على المشهد الليبي في السنوات السابقة.
وفي الوقت الذي يدعو فيه المجلس الرئاسي إلى إشراك الشعب في اتخاذ القرار النهائي بشأن المسار الدستوري والتنفيذي، يرى البرلمان أن الأولوية تكمن في التوافق بين النخب السياسية والمؤسسات الرسمية، وتشكيل حكومة قادرة على فرض الأمر الواقع وتنفيذ القوانين الانتخابية.
هذا التباين في الرؤية يعكس اختلافاً جوهرياً في فهم الشرعية: فالمجلس الرئاسي يراهن على الشرعية الشعبية وإعادة توجيه البوصلة نحو الاستفتاء العام، بينما يعتمد النواب على شرعية المؤسسة التشريعية والقوانين الصادرة عنها.
المفارقة أن كلا الطرفين يعاني من تآكل في شرعيته أمام الشارع الليبي، الذي بات أكثر تشكيكاً في قدرة النخب على تحقيق تغيير فعلي، مما يضع الاستحقاقات السياسية المقبلة أمام اختبار صعب.
وفي الخلفية، تتابع البعثة الأممية المشهد بحذر، وسط انتقادات ضمنية من الطرفين، فقد اتهم دغيم البعثة بأنها تمثل مصالح دول وليست هيئة حقوقية، محذراً من أن ليبيا قد تُوضع على “قائمة الانتظار الإقليمي” بسبب تطورات المنطقة.
وتبدو البعثة حريصة على التوازن بين الأطراف، مع أنها تميل إلى التوافق على حكومة موحدة تُنهي حالة الازدواجية التنفيذية، كما أوصت بذلك لجنتها الاستشارية، غير أن غياب آليات إلزام واضحة واحتدام الصراع الداخلي يجعل موقفها أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
في جوهره، لا يدور الصراع الحالي حول تفسير النصوص القانونية أو الصلاحيات الدستورية فقط، بل يتمحور حول ميزان القوى وتوزيع النفوذ بين مركزين متنافسين على الشرعية التنفيذية: مجلس النواب في طبرق والمجلس الرئاسي في طرابلس.
وإذا لم يُبادر أحد الطرفين إلى تقديم تنازل حقيقي، أو تتدخل البعثة الأممية بحسم ميداني مدعوم دولياً، فإن سيناريو الانقسام يظل قائماً، بما قد يُهدد مجدداً وحدة البلاد، ويُفرغ أي استحقاق انتخابي من محتواه، وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، تبدو ليبيا في حاجة إلى مقاربة جديدة تتجاوز معركة الصلاحيات، وتعتمد على شرعية التوافق الوطني لا شرعية النصوص المنفردة.
- المبعوثة الأممية تبحث مع رئيس المخابرات المصرية التطورات السياسية والأمنية في ليبيا
- تراجع بمعدلات إنتاج النفط الخام في ليبيا
- مجلس الأمن يبحث تمديد قرار تفتيش السفن المتجهة إلى ليبيا اليوم
- ليبيا.. الأمن يصادر 40 ألف لتر “ديزل” قبل تهريبه في سبها
- ليبيا.. طقس معتدل وسقوط أمطار على بعض مناطق الشمال الشرقي
- ليبيا.. العثور على 24 قطعة نقدية أثرية في بنغازي
- النائب العام الليبي يبحث نتائج التحقيق بأحداث طرابلس الأخيرة
- الحكومة الليبية المكلفة تطالب بالتحقيق في اقتحام مقر مؤسسة النفط
- اقتحام مؤسسة النفط في طرابلس.. فوضى الميليشيات تهدد مورد ليبيا الاقتصادي
- ليبيا.. تكالة: حكم المحكمة العليا لم يفصل النزاع حول رئاسة مجلس الدولة
- الجيش الوطني الليبي يشارك في مناورات “عنقاء الأناضول 2025” بتركيا
- حفتر: المدينة العسكرية تمثل نقلة نوعية في مسيرة بناء الجيش الليبي
- المحكمة العليا تحسم النزاع على رئاسة مجلس الدولة وتحكم لصالح المشري
- ليبيا.. الرقابة الإدارية تُحيل مسؤولين للتحقيق بسبب تجاوزات في طباعة الكتاب المدرسي
- الحاج الليبي عامر المهدي: دعوت الله أن يوحد صفوف الليبيين ويعمّ السلام في بلادنا