تشهد ليبيا هذه الأيام تصاعدًا لافتًا في الدعوات المطالبة بتشكيل حكومة جديدة تتولى قيادة البلاد نحو الانتخابات، في وقت يتزايد فيه الغضب الشعبي من استمرار حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، عقب الأحداث المؤسفة التي شهدتها طرابلس الأسبوع الماضي.
وعقد مجلس النواب الليبي جلستين متتاليتين خلال الأسبوع الجاري، ناقش فيها الأوضاع الميدانية في العاصمة طرابلس، وردود الفعل الغاضبة عقب الاحتجاجات التي اندلعت بسبب ممارسات حكومة الدبيبة، والتي انتهت إلى المضي قدمًا في تشكيل حكومة جديدة، وتكليف رئيس وزراء يتولى المهمة الرئيسية المتمثلة في تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وقرر البرلمان تمديد فترة قبول ملفات الترشح لرئاسة الحكومة يومين إضافيين، وطلب من مكتب النائب العام تقديم تقرير مفصل بشأن المرشحين، بما يشمل الملاحظات القانونية على ملفاتهم، كما حدد جلسة الإثنين المقبل للاستماع إلى خطط وبرامج المتقدمين لمنصب رئيس الحكومة، قبل أن يتم اختيار أحدهم وتكليفه رسميًا بتشكيل حكومة جديدة تُعرض لاحقًا على البرلمان لنيل الثقة.
رئيس المجلس، عقيلة صالح، شدد خلال كلمته أمام النواب على أن حكومة الوحدة الوطنية فقدت شرعيتها بالكامل، مؤكدًا أنها بنيت على “باطل” منذ لحظة تشكيلها في جنيف، وأن أداءها ساهم في تعميق الانقسام المؤسسي، وتقويض فرص الاستقرار. وأضاف أن الحكومة تسببت في إنفاق هائل لا يقابله إنجازات فعلية، وورطت الدولة في تعاقدات دولية تمس السيادة الوطنية، كما اتهمها بدعم ميليشيات خارجة عن القانون، مما أدى إلى اشتباكات مسلحة أوقعت أضرارًا بشرية ومادية جسيمة في العاصمة.
ولم يغفل صالح الإشارة إلى إخفاق حكومة الدبيبة في دعم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، معتبرًا أن هذا الإهمال كان سببًا مباشرًا في فشل إجراء الانتخابات في ديسمبر 2021. كما حمّل الحكومة مسؤولية استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين، مؤكدًا أن ذلك يمثل جريمة يعاقب عليها القانون الليبي والدولي.
وفي موازاة هذا المسار الداخلي، نشرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الثلاثاء، تقرير اللجنة الاستشارية الليبية التي شكّلتها قبل أشهر بهدف تجاوز النقاط الخلافية التي تعرقل إجراء الانتخابات. اللجنة، التي ضمت 20 شخصية ليبية ذات خبرة قانونية ودستورية، وعقدت أكثر من 20 اجتماعًا في طرابلس وبنغازي، اشترطت تشكيل حكومة جديدة لإجراء الانتخابات وخرجت بأربع سيناريوهات رئيسية لإنهاء المرحلة الانتقالية.
السيناريوهات الأربعة المقترحة شملت:
1. إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وقت واحد.
2. تنظيم الانتخابات البرلمانية أولًا، يليها وضع دستور دائم.
3. إقرار الدستور الدائم أولًا، ثم إجراء الانتخابات.
4. تشكيل لجنة حوار سياسي وفق الاتفاق السياسي لوضع اللمسات النهائية على قوانين الانتخابات والسلطة التنفيذية والدستور.
وقالت رئيسة البعثة، هانا تيتيه، إن التقرير يمثل نقطة انطلاق لحوار وطني شامل، مؤكدة أن البعثة ستجري مشاورات مجتمعية واسعة تشمل مختلف فئات الشعب الليبي، من شباب ونساء وأحزاب ومجتمع مدني، من أجل التوصل إلى توافق وطني حول خارطة الطريق المقترحة.
تيتيه شددت أيضًا على أن المسار المقبل “يجب أن يكون بقيادة ليبية ويحظى بدعم واسع”، محذرة من أن الإصلاحات القانونية وحدها لن تكفي ما لم يكن هناك التزام سياسي فعلي من جميع الأطراف، مؤكدة أن دور البعثة اقتصر على التيسير والدعم الفني فقط، وأن التقرير هو نتاج جهد وطني خالص، سيتم عرضه على منصة إلكترونية خاصة قريبًا.
هذه التطورات تتزامن مع موجة احتجاجات غير مسبوقة شهدتها العاصمة طرابلس، عبّر خلالها المواطنون عن رفضهم لاستمرار حكومة الدبيبة، مطالبين بتغيير فوري للسلطة التنفيذية، وتوفير الظروف السياسية والأمنية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
وبينما يبدو أن مجلس النواب يمضي بخطى واضحة نحو تشكيل حكومة جديدة، يبقى التحدي الأساسي في مدى قدرة هذه الحكومة على نيل قبول الأطراف الأخرى، وفي مقدمتها المجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة نفسها، فضلًا عن القوى الفاعلة على الأرض.
كما تبرز تساؤلات حول مدى إمكانية تنفيذ مقترحات البعثة الأممية، وما إذا كانت هذه السيناريوهات كفيلة بتجاوز حالة الجمود، خاصة في ظل افتقار البلاد لمظلة توافق سياسي حقيقي منذ سنوات، وسط تدخلات إقليمية ودولية مستمرة.
ومع اقتراب جلسة اختيار رئيس الحكومة الجديدة، وانطلاق المشاورات المجتمعية حول تقرير اللجنة الاستشارية، يبدو أن ليبيا دخلت مرحلة جديدة من التجاذبات، قد تفتح باب الانفراج، أو تعيد تدوير الانقسام في مشهد سياسي يزداد تعقيدًا يومًا بعد آخر.
- مصرف ليبيا المركزي يناقش خطة توزيع السيولة النقدية خلال الفترة المقبلة
- المبعوثة الأممية تبحث مع السفير التونسي سبل دعم العملية السياسية لدى ليبيا
- مباحثات روسية أممية بشأن آخر التطورات السياسية في ليبيا
- هيومن رايتس ووتش تدعو لتحقيق عاجل في الانتهاكات ضد المدنيين في طرابلس
- طقس ليبيا اليوم الأربعاء.. تراجع تدريجي في درجات الحرارة والقصوى تصل 41 درجة