توافق ورفض.. ما وراء مبادرة خوري الجديدة بشأن الأزمة الليبية؟

0
147
ستيفاني خوري
ستيفاني خوري

شهدت الساحة السياسية الليبية ردود فعل متباينة تجاه المبادرة الجديدة التي قدمتها القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني خوري، أمام مجلس الأمن الدولي. 

وتهدف المبادرة إلى معالجة القضايا العالقة التي تعرقل العملية السياسية وإجراء الانتخابات الوطنية المنتظرة منذ عام 2021.

وعلى الرغم من دعم بعض الأطراف لهذه الجهود، أعربت أطراف أخرى عن تحفظات حادة حيال مضمون المبادرة، وسط استمرار الانقسام السياسي وغياب الثقة في المسار الأممي.  

وأثارت مبادرة ستيفاني خوري، التي جاءت ضمن مساعي الأمم المتحدة لإحياء العملية السياسية المتوقفة في ليبيا، جدلاً واسعاً بين الأطراف المحلية المختلفة، حيث بدت ردود الفعل متباينة بين دعم مشروط ورفض قاطع. 

وركزت المبادرة على تشكيل لجنة من خبراء ليبيين مستقلين للعمل على معالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية وتوحيد السلطتين التنفيذيتين المنقسمتين، مع التطلع للوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة في أقرب وقت.  

ورفض مجلس النواب، الخطة واعتبرها إعادة تدوير لمواقف سابقة لا ترقى إلى تطلعات الليبيين. وفي بيانه، هاجم البرلمان استمرار التدخلات الدولية التي وصفها بغير المسؤولة، محذراً من أن هذا المسار يفاقم الأزمة ويمدد معاناة المواطنين.

هذه الانتقادات لم تأتِ بمعزل عن السياق السياسي المتوتر في ليبيا، حيث يرى مجلس النواب أن مبادرات البعثة الأممية تفتقد آليات واضحة وقابلة للتنفيذ على الأرض.  

وفي نفس السياق، أكد المرشح البرلماني، عبد الرحيم البركي، أن العنصر الأساسي الغائب في جلسة مجلس الأمن هو الإرادة الوطنية، وليست إنتاج حلول مكررة أُثبت فشلها لأكثر من عقد من الزمن، مستطرداً: “فلا تلوموا التدخل الخارجي إنما لوموا أنفسكم التي غلب عليها العناد والطمع في حالة نفسية لم يحضر فيها الوطن”. 

وحذر عضو مجلس الدولة بلقاسم قزيط، من استبعاد البعثة الأممية لمجلسي النواب والدولة والعكس، من المباحثات المقبلة بشأن المستقبل السياسي في ليبيا.

وقال قزيط، في تصريحات صحفية، إنه إذا حاولت البعثة إقصاء مجلسي النواب والدولة أو تهميشهما أو حاول المجلسان تهميش البعثة أو إقصاءها سيتعثر الحوار قبل الوصول إلى الهدف، الشراكة بين المجلسين والبعثة الأممية من جهة ثانية هي المسار المثمر.

في المقابل، قاد المجلس الرئاسي الليبي تيار المؤيدين المحللين، حيث أثنى عضو المجلس موسى الكوني على جهود البعثة الأممية ودعا إلى تشكيل لجنة الخبراء من شخصيات محايدة وغير جدلية لضمان تحقيق تقدم فعلي.

ورغم هذا الدعم المشروط، أبدى مستشار رئيس المجلس زياد دغيم تساؤلات جوهرية حول المعايير التي ستُعتمد لاختيار أعضاء اللجنة والجدول الزمني لعملها، إضافة إلى البدائل الممكنة في حال فشلها في حل القضايا الخلافية.

وطرح دغيم تساؤلات حول معايير اختيار لجنة الخبراء المقترحة ضمن المبادرة، متسائلًا عن تعريف الخبراء وطريقة اختيارهم، خاصة إذا كانت البعثة الأممية هي من تتولى هذا الاختيار بدلاً من الليبيين أنفسهم. 

وأشار إلى ضرورة تحديد جدول زمني واضح لعمل اللجنة، وأبدى قلقه بشأن قدرتها على التوافق حول المواد الخلافية، مذكّرًا بأن هذه القضايا ظلت عالقة منذ العام 2015، مروراً باتفاق الصخيرات، وجولات الحوار بتونس، وملتقى الحوار السياسي في جنيف. وأضاف أنه في حال فشل لجنة الخبراء، يجب أن تعرض المواد الخلافية المتبقية على الشعب للاستفتاء، لضمان إصدار قوانين انتخابية جاهزة.

وأكد دغيم ضرورة أن تشكل اللجنة بمعايير واضحة تضمن الملكية الليبية، مشيراً إلى تأجيل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي البدء في رؤيته الخاصة بالحل السياسي احتراماً لجهود البعثة الأممية، وسعيًا لمواءمة رؤيته مع تلك الجهود. 

واقترح أن تتضمن المبادرة تشكيل هيئة حوار سياسي جديدة تمثل كافة أطياف المجتمع الليبي، بما في ذلك الأحزاب والشباب والمرأة والأقليات والمكونات الثقافية، لكنه أعرب عن مخاوف بشأن معايير اختيار هذه الشخصيات وكيفية ضمان تحقيق الملكية الليبية.

كما تساءل دغيم عن الهدف من تشكيل الهيئة الجديدة، وهل يرتبط بتوحيد الحكومة أو تغييرها، أم أنه يأتي لتحقيق مطالب أطراف ليبية أو مصالح دول إقليمية؟، مؤكداً أن تجربة الانتخابات البلدية أثبتت عدم الحاجة إلى حكومة جديدة، حيث يمكن إجراء الانتخابات في ظل الحكومتين الحاليتين، كما كان مقترحاً في المبادرة الأمريكية التي طُرحت في العام 2022. 

ولاقت إحاطة ستيفاني خوري دعماً دولياً ملحوظاً من خمس دول غربية، هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، التي أكدت في بيان مشترك دعمها لتوحيد الحكومة 

 الليبية ورفضها لأي مبادرات موازية للجهود الأممية.

واعتبرت الدول الخمس أن مبادرة خوري تمثل خطوة جادة نحو إنهاء الانقسام السياسي وتوحيد المؤسسات، مجددة التزامها بدعم الانتخابات وفق معايير الشفافية والنزاهة.  

وفي سياق متصل، رحب خالد المشري، أحد الأقطاب المتنافسة على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، بمبادرة خوري مؤكداً على أهمية الملكية الليبية للعملية السياسية، وداعياً إلى تسريع إجراءات الانتخابات تحت إشراف حكومة موحدة.

وشدد المشري على أن الانتخابات تمثل السبيل الوحيد لتحقيق تطلعات الشعب الليبي، محذرًا من مغبة استمرار الوضع الراهن وتأثيره على استقرار البلاد.  

وبين هذا الدعم الدولي والتحفظ المحلي، تبدو مبادرة ستيفاني خوري عالقة في اختبار صعب، حيث تواجه تحديات حقيقية تتعلق بمدى قدرة البعثة الأممية على إقناع الأطراف الليبية المتناحرة بالجلوس إلى طاولة واحدة والاتفاق على حلول فعلية للخلافات العميقة. 

ولا يقتصر الأمر على العقبات السياسية فقط، بل يشمل أيضاً البعد المجتمعي والمصالح المتشابكة التي تعيق توحيد المؤسسات وتحقيق المصالحة الوطنية.