“المنفي” أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: التدخلات الخارجية تغذي الصراعات بليبيا

0
73

قال رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، خلال كلمته في الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إن ليبيا عانت على مدى أكثر من عقد من الزمن مراحل انتقالية متعاقبة، شابتها العديد من الصراعات، والحروب غير المبررة بين الأشقاء.

وأضاف المنفي، أن تلك الصراعات غذتها تدخلات خارجية تسعى إلى إضعاف الدولة، وتعميق الشقاق، والسيطرة على مواردها الطبيعية، وقرارها السياسي والاقتصادي، وهو ما يتطلب اليوم وقفة جادة لاستعادة زمام الأمور، فلا تزال التحديات أمامنا كبيرة ومعقدة، ولا زلنا نسعى لخلق حلول توافقية، وتوحيد الكلمة والصف، وجمع الأطراف على طاولة واحدة، والعمل على إيجاد حل وطني.

وأشار إلى أن الانقسام المؤسسي الناتج عن العرقلة الممنهجة لبعض الأطراف السياسية، وما تبعها من نزاعات حول الصلاحيات والاختصاصات، أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية والمؤسسية بشكل ملحوظ، وزاد من تعقيد المشهد السياسي، بداية من خلق أجسام موازية، إلى تجميد وإلغاء الالتزام بالاتفاقات السياسية المبرمة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وصولاً لاستخدام موارد الدولة، كأداة للضغط السياسي، وآخرها، محاولة العبث بالقضاء الليبي، الأمر الذي يجعل من واجبنا أن نتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقنا ونتدخل عندما يتعلق الأمر بأمن المواطن وقوته.

وتابع: إن الحل السياسي الشامل بمساراته المالية والاقتصادية والأمنية، إضافة لمسار المصالحة الوطنية، هو السبيل الوحيد لتوحيد المؤسسات وضمان الاستقرار وصولاً إلي الانتخابات، وتجديد الشرعية لجميع المؤسسات، وتقرير الشعب الليبي لمصيره، مثمناً في هذا الإطار الجهود الوطنية والدولية الرامية إلى دعم الحوار بين الأطراف الليبية.

وأكد: أن الشعب الليبي هو صاحب الحق في تحديد مصيره واختيار من يحكمه ويدير شؤونه وثروته. ويجب أن يُعطى الفرصة للبت في مستقبله، من خلال تجديد الشرعية واستعادة سلطته التي تسعى بعض الأطراف إلى إقصائها، فالليبيون هم الأقدر على تقرير مصيرهم، والشعب هو الفيصل في اختيار من يمثله، والعودة إليه عبر استفتاءات نزيهة وعقد انتخابات شاملة هو الحل الأمثل لإنهاء أي انسداد سياسي.

وذكر أن مشروع المصالحة الوطنية الذي يرعاه المجلس الرئاسي يسير بوتيرة بطيئة نتيجة للتطورات الأخيرة التي شهدتها البلاد، ومحاولة بعض الأطراف السياسية عرقلته بكل السبل. وإننا نجدد التأكيد على أهمية تسريع هذا المسار لإرساء وتوطيد الثقة.

وأشاد بجهود الاتحاد الإفريقي، داعياً لخلق حوار ليبي لأجل إنجاز ميثاق وطني ومؤتمر مصالحة شامل، ومؤكداً على ضرورة مشاركة كافة الأطراف بطريقة بناءة، للوصول إلى تسوية سلمية تعتمد على الحل الليبي-الليبي، بعيداً عن الإملاءات والتدخلات الخارجية، إذ لا يمكن التوصل إلى حلول دائمة من دون حوار صريح وجاد بين الليبيين أنفسهم من غير تدخلات خارجية يضمن وحدة البلاد وسلامتها المجتمعية وسيادتها.

وقال إن هذا الشهر الذكري السنوية الأولى لدمار أجزاء من مدينة درنة ومحيطها بسب إعصار دانيال، والذي يعد حدثًا مؤلمًا لا يُنسى، حيث ترك خلفه دمارًا واسعًا وخسائر بشرية ومادية جسيمة، ورغم الألم والحزن إلا أننا أيضا نتذكر تضافر وتلاحم جهود الليبيين، والتي أعطت درساً حياً على قدرة الشعب الليبي ف التغلب على صعوباته وأزماته إذا ما قرر حل مشاكله داخلياً من غير تدخلات أو إملاءات خارجية. كما نجدد الدعم للجهود الصادقة التي بذلت للتعافي تمهيداً لإعادة الإعمار في كافة ربوع البلاد.

ولفت إلى أن ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من جرائم إبادة وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني واللبناني يمثل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية، متمسكين بمبادئ المحاسبة وعدم الافلات من العقاب، مشيراً في هذا الخصوص إلى انضمام ليبيا إلى جنوب إفريقيا في القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية بخصوص الكيان الإسرائيلي وانتهاكاته الجسيمة للقوانين والقرارات والمواثيق الدولية، ولتعزيز المساءلة عن الانتهاكات والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.

كما أكد أن إبعاد شبح نشوب حرب إقليمية في المنطقة يكون من خلال معالجة الوضع في غزة وإيقاف الانتهاكات والاعتداءات الجسيمة في فلسطين، وعلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وعلى صعيد القضايا الإقليمية والدولية، أكد على ضرورة تضافر الجهود في مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب، حيث أن هذه القضية تمثل تحديًا كبيرًا، ليس لليبيا فحسب، بل للكثير من الدول، وخاصة الدول الإفريقية ودول المنطقة. وليبيا، كونها دولة عبور، تتحمل عبأ كبيرًا في هذا الشأن. ونحن نؤمن أن حل هذه المسألة يتطلب تضافر الجهود، مع ضرورة مراعاة التشريعات الوطنية والجوانب الإنسانية وحماية حقوق المهاجرين.

وفيما يتعلق بالإرهاب، قال إن ليبيا عانت بشكل كبير من هذه الآفة، ونجحت في القضاء على تنظيم داعش بفضل تضحيات أبنائها وجهود المؤسسة العسكرية وتضحياتها ودعم المجتمع الدولي. ونحن نواصل العمل على تعزيز الأمن الداخلي وحماية الحدود من خلال التعاون مع المجتمع الدولي لإنشاء مراكز أمنية لتنسيق الجهود بين مختلف القوى الأمنية الوطنية ودول الجوار. أن محاربة الإرهاب ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل هي ظاهرة متعددة الجوانب تتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية، ونهجًا شاملاً يعالج مختلف أبعادها. ورغم أهمية جهود الأمم المتحدة في هذا الصدد، نرى ضرورة تطوير آلية وطنية لمواجهة هذه التحديات بعيدًا عن التدخلات السلبية.

وتابع: أقول للشعب الليبي الكريم، لقد آن الأوان أن نرص صفوفنا، وأن نمد جسور الوحدة، لنجعل من تضامننا حجر الأساس لوطننا، هذا الوطن المعطاء، وشعبها الكريم المحب للحياة، أقول لكم إننا لن ننعم بخيراتنا وثرواتنا ووطننا طالما بقيت بذور الفتنة والشقاق تنمو بيننا. إن وحدتنا هي المفتاح لاستقرارنا، وهي الأمل الذي سيحمل أبنائنا نحو مستقبل أفضل.

ودعا للتشبث بوحدتنا الوطنية، ونفضِ التدخلات الخارجية التي تهدف إلى تقويض مساعينا، إن التاريخ يشهد على عظمة هذا الشعب، الذي ألهم أممًا وشعوبًا عبر العصور، ويبرهن على أنه، رغم كل ما مر به من تحديات، يعود دائمًا أشد قوة وصلابة وبأسا. ولا ينسى الليبيون من وقف إلى جانبهم في لحظات الشدة، وسنظل على عهدنا، نعمل من أجل بناء مستقبل مشرق يليق بطموحات وآمال شعبنا وأمتنا، ولن نبخل بأي تضحية في سبيلها.