قدم المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي، اليوم الاثنين، إلى مجلس الأمن الدولي، إحاطته الدورية حول تطورات الأوضاع في ليبيا.
وقال المبعوث الأممي في إحاطته إنه ومنذ إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن في 16 أكتوبر الماضي، نشر مجلس النواب الليبي قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الجريدة الرسمية في الأول من نوفمبر الماضي.
وأشار باتيلي، إلى أنه وللمرة الأولى منذ فشل الانتخابات في ديسمبر 2021، أصبح لدى ليبيا الآن إطار دستوري وقانوني للانتخابات، تعتبره المفوضية الوطنية العليا للانتخابات قابلاً للتنفيذ من الناحية الفنية، لافتاً إلى ضرورة البناء على هذا الإنجاز المهم.
وذكر أنه أشار لمجلس النواب، إلى أنه ولتمكين إجراء انتخابات ناجحة ومنع تكرار ما حدث في ديسمبر 2021، لا يمكن التغلب على القضايا المتنازع عليها سياسياً إلا من خلال تسوية سياسية بين أصحاب المصلحة المؤسسيين الليبيين الرئيسيين الذين يلتزمون بحسن نية.
ولهذا الغرض، قام في شهر نوفمبر الماضي بدعوة رسمية لرؤساء خمس مؤسسات ليبية رئيسية – المجلس الرئاسي، ومجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، وحكومة الوحدة الوطنية. والجيش الوطني الليبي – إلى اجتماع خلال الفترة المقبلة.
وذكر أن هذه الجهات الفاعلة المختارة تتمتع بالقدرة على إما التوصل إلى توافق في الآراء وتعزيز العملية السياسية، أو يطيل أمد الجمود ويمنع ليبيا من إجراء انتخابات سلمية. ويكمن التنافس بينهما وانعدام الثقة في جوهر هذه الأزمة الطويلة الأمد ويتناقض مع الوحدة التي يتوق إليها الليبيون العاديون.
وكخطوة أولى نحو اجتماع الجهات الفاعلة الرئيسية الخمسة، طلب باتيلي منهم ترشيح ثلاثة ممثلين للمشاركة في الجلسة التحضيرية للاتفاق على معايير اجتماع الجهات الرئيسية، بما في ذلك التاريخ والمكان وجدول الأعمال.
وأشار المبعوث الأممي إلى أن جميع الأطراف لم ترفض دعوته بشكل صريح، ومع ذلك، فقد وضع البعض شروطاً لمشاركتهم.
وقال إن المجلس الرئاسي أبدى دعماً واضحاً وملموساً، وأبدى رئيسه محمد المنفي، حسن نيته وهو يعكف على بحث كل السبل التي تكفل نجاح هذا الحوار، مشيراً إلى أنه سيواصل العمل مع المجلس الرئاسي بهذا الشأن.
وعن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، فقال باتيلي، إنه وضع شرطاً لمشاركته بأن يركز على جدول الأعمال على تشكيل حكومة جديدة تعنى بالانتخابات، في الوقت الذي يرفض فيه أيضاً مشاركة حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها عبد الحميد دبيبة.
وعن رئيس مجلس الدولة الاستشاري محمد تكالة فقال باتيلي، إنه قدم أسماء ممثلي المجلس الثلاثة للمشاركة في الاجتماع التحضيري على الرغم من رفضه في البداية لنسختي القانونين المنظمين للانتخابات اللذين نشرهما رئيس مجلس النواب.
وعن رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد دبيبة، قال باتيلي، إنه أرسل أيضاً أسماء ممثلي حكومة الوحدة الوطنية، وبينما أعرب عن استعداده لمناقشة المسائل التي تتعلق بقانوني الانتخابات، إلا إنه يرفض رفضاً قاطعاً أية مناقشات حول حكومة جديدة.
أما قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، فقال باتيلي، إنه عبر عن استعداده للحوار، إلا إنه أعرب عن أن مشاركة حكومة الوحدة الوطنية مشروط بإشراك الحكومة المعينة من مجلس النواب، وبالمقابل فإنه سيقبل المشاركة إذا تم استبعاد كلا “الحكومتين”.
ولفت باتيلي، إلى أنه علم باجتماع القاهرة الذي عقد في 16 ديسمبر بين رئيس المجلس الرئاسي ورئيس مجلس النواب وقائد الجيش الوطني الليبي، وبما أعلن عقب ذلك من تقدير لدور الوساطة الذي تقوم به بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
كما ذكر باتيلي، أنه أستمر في تواصله مع شرائح المجتمع الليبي الأخرى بما في ذلك الأحزاب السياسية والأعيان والأطراف الأمنية والمجتمع المدني والمكونات الثقافية والنساء والشباب ومجتمع رجال الأعمال، وقد دعا أصحاب الشأن هؤلاء للمشاركة بمقترحاتهم حول كيفية حل المسائل الخلافية المتبقية من خلال عملية سياسية تتسم بالشمول الحقيقي يقودها ويتولى زمامها الليبيون.
وخلال لقاءاته هذه، تم إبلاغه وبشكل متكرر برسالتين اثنتين على الأقل: المطالبة بشكل أقوى بإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، والتعبير عن الشعور بالعياء والاستياء الشديدين من خداع الطبقة السياسية ولجوئها لتكتيكات إضاعة الوقت.
وذكر المبعوث الأممي في إحاطته إنه سافر إلى الجزائر والمغرب في أواخر شهر نوفمبر وإلى الجمهورية التونسية في مطلع ديسمبر سعياً للحصول على دعم هذه الدول للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، وذلك على ضوء زياراته في وقت سابق من هذا العام لقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة، مشيراً إلى أهمية وحدة الصف الدولي لتعظيم فرص النجاح لهذه العملية.
وقال باتيلي إن غياب المؤسسات الموحدة والشرعية التابعة للدولة والتي تعمل لما فيه منفعة الشعب عاملاً أسهم في حجم الدمار والخسائر الفادحة في الأرواح التي تسببت بها عاصفة دانيال التي اجتاحت مدينة درنة والمناطق المحيطة بها في شهر سبتمبر.
وبعد ما يربو على ثلاثة أشهر من السيول المدمرة، أوصلت وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها من منظمات الإغاثة المساعدات الإنسانية لما يزيد على 203 آلاف شخص وهم يواصلون العمل مع السلطات الليبية لضمان الوصول الكامل للمساعدات لكل من يحتاجها دون عراقيل.
ومع انتقال أعمال الاستجابة لمواجهة السيول نحو التعافي المبكر وإعادة الإعمار، تتواصل الأمم المتحدة مع السلطات الليبية والأهالي المتضررين وشركاء التنمية بشأن الحاجة إلى آلية وطنية تنسيقية لجهود إعادة الإعمار.
وحث المبعوث الأممي القيادات السياسية في المنطقتين الشرقية والغربية على استلهام حس الوحدة والتآزر الذي أظهره الليبيون منذ بدء أزمة درنة وإنشاء آلية وطنية تنسيقية لإعادة الإعمار بما يخدم مصلحة الأهالي الذين تضررت حياتهم وسبل عيشهم بشكل كبير جرّاء هذه الفاجعة.
وذكر المبعوث الأممي أن الاشتباكات المسلحة المتفرقة وغيرها من الحوادث الأمنية ما تزال تحدث في مختلف المناطق. ففي 29 أكتوبر، اندلعت اشتباكات كثيفة بين فصيلين من فصائل المجموعات المسلحة المحلية في مدينة غريان (التي تبعد 100 كم عن طرابلس) بسبب عودة إحدى الشخصيات العسكرية المحلية التي كانت قد غادرت المنطقة في السابق عقب النزاع الذي اندلع في يونيو 2019. وسرعان ما انتهى الاقتتال، غير أنه أفيد بأنه تسبب في إصابات وخسائر في الأرواح وأضرار في المباني العامة والخاصة.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، أدى التوسع العسكري في المنطقة الغربية، مع التركيز بشكل خاص على المنافذ الحدودية في رأس جدير وغدامس، إلى زيادة التوتر في المدن المجاورة مثل زوارة (المجاورة لرأس جدير) وغدامس.
ولفت إلى أن تكرار نمط الحوادث من هذا النوع سواء في المنطقة الشرقية أو الغربية يؤكد ضرورة الاستقرار الدائم ووحدة المؤسسات العسكرية والأمنية. ويظل الجنوب أرضًا للصيد بالنسبة لمختلف الجماعات المسلحة والمرتزقة ورواد الأعمال غير المشروعة.
وفي الفترة من 7 إلى 9 نوفمبر، وبمعية الرئاسة المشتركة لمجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن مسار برلين، نظمت البعثة اجتماع للجنة العسكرية المشتركة (5+5) وهي شريك أساسي للبعثة وتتمسك بوحدة ليبيا.
وبحث الحضور مدى التقدم المحرز في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 2020 فيما جرت مناقشة بنود أخرى من بينها تنفيذ انسحاب القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من الأراضي الليبية والتي عرقل تنفيذها الانسداد السياسي في ليبيا والوضع المتدهور في السودان والساحل.
وعبر باتيلي، عن قلقه إزاء استمرار تقييد الفضاء المدني والاعتقالات التعسفية، حيث لا يزال أعضاء أحزاب سياسية وأكاديميون وناشطون يقبعون في الاحتجاز في بنغازي وسرت وطرابلس دون إمكانية الوصول إلى العدالة.
وعلى مدى الأشهر التسعة الماضية، احتجزت الجهات الأمنية بشكل تعسفي ما لا يقل عن 60 شخصاً، بينهم أطفال، بسبب انتماءاتهم السياسية الفعلية أو المفترضة، وقد يكون العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير. وهذا لا يعد انتهاكاً لحقوقهم الأساسية فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى تآكل سيادة القانون في ليبيا ويتسبب في تدني ثقة الليبيين في النظام القضائي والعملية السياسية.
وأكد مجدداً أن الفضاء المدني المزدهر الذي يُسهم فيه الليبيون من خلال الحوار والمعارضة والتفاهم المتبادل أمر بالغ الأهمية للعملية السياسية.
كما ذكر أن حماية المهاجرين واللاجئين واحترام حقوقهم الإنسانية ووضعهم الإنساني مازال مصدر قلق كبير.
وأشار إلى غرق عشرات من المهاجرين وطالبي اللجوء عندما انقلب قاربهم عقب مغادرته قبالة شواطئ شمال غرب ليبيا في وسط البحر الأبيض المتوسط.
كما يتواصل طرد المهاجرين واللاجئين على نطاق واسع وعلى نحو جماعي إلى داخل ليبيا ومن ليبيا إلى البلدان المجاورة مع تزداد الظروف السيئة تفاقماً في مراكز الاحتجاز. مشيراً إلى أن الإبعاد القسري محظور بشكل صارم بموجب القانون الدولي الإنساني ويجب وضع حدٍ له.
وقال باتيلي إنه وعلى الرغم من الثروة الهائلة التي تتمتع بها البلاد، يعاني المواطنون الليبيون بشكل متزايد من صعوبات اقتصادية واجتماعية. ويتردد صدى مطالبهم بإنهاء الفساد وسوء الإدارة عالياً في جميع أنحاء البلاد، حيث تُظهر تقارير البنك المركزي الليبي وهيئات الرقابة الأخرى بوضوح تصاعد الإنفاق العام من خلال إجراءات تثير التساؤلات، في حين أن اللجنة المالية العليا التي أنشأها المجلس الرئاسي لم تباشر أعمالها بشكل كامل بعد.
وقال المبعوث الأممي إنه باستثناء عدد قليل ممن يشغلون مناصب سياسية وانتهت مدة ولايتهم، والذين يجعلون من البلاد رهينة لطموحاتهم الخاصة، فإن الليبيين من جميع مناحي الحياة يعبرون عن تطلعهم القوي إلى الانتخابات وإلى مؤسسات شرعية وموحدة وإلى السلام والاستقرار ووحدة البلاد.
وذكر أن قادة المجتمع والأعيان والأحزاب السياسية والمجموعات النسائية والشبابية ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال واللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والجهات العسكرية والأمنية البارزة الأخرى، يبدون استعداداً تاماً لضمان إجراء انتخابات سلمية وشاملة وناجحة. كما إن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات مستعدة أيضاً من الناحية الفنية لبدء التحضيرات للانتخابات.
وأشار إلى أن المناخ الوطني مهيأ الآن للتوصل إلى اتفاق سياسي جديد وإدارة جديدة لمستقبل أكثر إشراقاً للبلاد.
وأكد على ضرورة عدم السماح لمجموعة واحدة من المسؤولين غير الراغبين في إجراء الانتخابات ممن يتمسكون بمقاعدهم بخذلان الشعب الليبي وتعريض المنطقة لخطر المزيد من الفوضى.