أجمع الخبراء على أن السبب في تفاقم كارثة الفيضانات التي حلت على مدينة درنة جراء الإعصار دانيال، كان انهيار سدي وادي درنة وأبو منصور، الأمر الذي أدى إلى اندفاع المياه نحو سكان المدينة كالطوفان.
وتسببت الفيضانات في مقتل أكثر من 3800 شخص وفقدان 10 آلاف آخرين ودمار نحو ثلث مدينة درنة التي كان يسكنها نحو 100 ألف نسمة.
الليبيون طالبوا بمحاسبة المسؤولين عن انهيار سد وادي درنة وسد أبو منصور وتقديمهم للمحاكمة، وبالفعل بدأ النائب العام في التحقيقات منذ أيام، وأصدر أمس الاثنين، قراراً بحبس 16 مسؤولاً على ذمة التحقيق.
ووفقا لما أعلنته النيابة العامة الليبية، فإن لائحة المسؤولين شملت رئيس هيئة الموارد المائية السابق وخلفه، ومدير إدارة السدود وسلفه ورئيس قسم تنفيذ مشروعات السدود والصيانة ورئيس قسم السدود بالمنطقة الشرقية ورئيس مكتب الموارد المائية درنة وعميد المجلس البلدي درنة.
وكان النائب العام الليبي الصديق الصور كشف أن إدارة السدود في ليبيا أُبلغت عام 1998 بظهور أولى التشققات في السدين، وهو ما يعني أن المسؤولية تقع على المسؤولين في الحكومات المتعاقبة منذ نظام القذافي إلى يومنا هذا.
وذكر النائب العام أن السلطات كلفت في عام 2000 شركة استشارية إيطالية بتقييم الأضرار التي لحقت بالسدين، وأكدت وجود تشققات، وأوصت حتى ببناء سد ثالث لحماية المدينة.
وتم بناء السدين في سبعينيات القرن الماضي، من شركة يوغوسلافية وصمما بالأساس لحماية مدينة درنة من الفيضانات، حيث شهدت المدينة من قبل فيضانات كبرى عدة، لا سيما في أعوام 1941 و1959 و1968.
وفي عهد نظام معمر القذافي تم إسناد أعمال الصيانة للسدين إلى شركة تركية عام 2007، وبسبب عدم توفير الأموال بدأت الشركة أعمالها في أكتوبر 2010، قبل أن تتوقف بعد أقل من 5 أشهر.
وكانت أحداث فبراير عام 2011 إحدى عوامل انهيار السدين، فبسببها توقفت الشركة التركية عن العمل في صيانة السدين بسبب غياب الأمن، فيما ذكرت تقارير أن معداتها وآلاتها سرقت من مواقع العمل.
وخصصت الحكومات المتعاقبة التي تولت السلطة عقب سقوط نظام القذافي ميزانية كل عام لصيانة السدين، لكن لم تباشر أي منهما العمل في صيانتهم، وانشغلت بالصراع على السلطة وتمويل الميليشيات وانتشر فيها الفساد، ولم تلتفت لتقديم الخدمات العامة للمواطنين.
وكان من الواضح منذ سنوات أن السدود التي تحمي مدينة درنة، عرضة لخطر الانهيار وهو ما أكده المهندس والأكاديمي الليبي عبد الونيس عاشور، في ورقة بحثية نشرت في عام 2022 والتي حذر فيها من كارثة تهدد درنة، إذا لم تبادر السلطات إلى صيانة السدين.
الانقسام المؤسسي ووجود حكومتين في الشرق والغرب كان أيضاً من العوامل التي أدت إلى كارثة درنة، وهو ما أكده الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، بيتيري تالاس.
وقال تالاس، خلال مؤتمر صحفي في جنيف قبل أيام إنه “لو كان لدى ليبيا هيئة أرصاد جوية تعمل بشكل طبيعي، لكان بإمكانهم إصدار تحذيرات وكانت هيئات إدارة الحالات الطارئة تمكنت من إجلاء السكان، وكنا تفادينا معظم الخسائر البشرية”.