أيامُ سوداء، لم يذق فيها أهل درنة طعم الحياة، قَتل وسَلب ونَهب، باسم الدين، وداعش تُسيطر على كل شئ بالمدينة، بعد أن جعلوها مقراً لهم، ومركزاً لمقاتليهم للانطلاق لنقاط أخرى في ليبيا والسيطرة عليها، وأصبحت ملاذاً آمناً للمتطرفين من كل الأنحاء، فهرب إليها أسماءاً مطلوبة على ذمة قضايا إرهاب، مثل هشام عشماوي وعمر رفاعي سرور وغيرهما.
فظائع ارتكبها هؤلاء، لفرض هيبتهم على الشعب، فقطعوا الرؤوس، وأعدموا بالحرق، وسبوا النساء، وتحولت ساحات وميادين درنة إلى مَذبح لتقديم الكرابين لخليفتهم الجديد حينها، أبو بكر البغدادي، في الشام، حوادث عدة تَكشفت تِباعاً بعد سقوط داعش وقضاء الجيش الوطني الليبي على التنظيم بالمدينة والسيطرة عليها وبقية مدن شرق وجنوب ليبيا.
ففي درنة، أعلن التنظيم المتطرف، أول إمارة له في ليبيا، وكغيرهم من الجماعات الإسلامية الراديكالية شديدة التطرف، كان فرض قوانينهم الدموية هو الأمر الأول الذي ركضوا إليه، منذ اليوم الأول لسيطرتهم على المدينة، فغطت رايتهم السوداء الشمس عن درنة، وكان القتل على مرأى ومَسمع من الجميع لكل من عارض أوامرهم أو طلب منهم التوقف عن مجازرهم.
شواطئ درنة، كانت شاهدة على مجزرة مؤلمة نَدد العالم كله ببشاعتها وطالبوا بمحاسبة الجناة، عندما قبض مقاتلو داعش على 21 قبطي مصري، كانوا ضمن العمالة المصرية في درنة، وصورت كاميراتهم فيلماً شديد الاحترافية لذبحهم في آن واحد، لتغير دمائهم لون الشاطئ، الذي تحول من مكان للترفيه إلى مذبح.
وبعد ساعات قليلة من الحادث البشع، كانت الطائرات المصرية الليبية، تحوم فوق معسكرات على تخوم درنة، واستهدفت صواريخها تجمعات “الدواعش” في الحمر وبومسافر والبريقة، وخلفت أشلاء هؤلاء القتلة المتطرفين بين ركام معسكراتهم بالمدينة ومحيطها.
استخدم تنظيم داعش الإرهابي باحات المساجد لقتل معارضيه من المدنيين، في رسالة واضحة للكل بأن ما فهموه من الدين بالخطأ، سيتم تطبيقه على الجميع باستخدام السيف، كما عمد إلى تطبيق معتقداته، إذ غير المناهج الدراسية وفصل بين الذكور والإناث في المدارس والمعاهد والجامعات، وعمل حتى على طرد أحلافه الميليشيات المتشددة التي مهدت له الطريق إلى درنة.
وكانت مجزر”لحرير” هي أحد المجازر البشعة التي ارتكبها داعش بعد سيطرته الكاملة على درنة، بعدما تلقوا أوامرهم من خليفتهم في الشام بطرد حلفائهم من الجماعات الأخرى من المدينة، وأسفرت تلك المجزرة عن مقتل 3 أخوة في مواجهات مع داعش، الذي أقدم أيضا على قتل شقيقتهم بعد نقلها إلى المستشفى.
أما اليوم، اختلف الأمر تماماً، وما كان يتمناه الناس ويحلمون به، بات واقعاً يعيشونه بين أبناءهم وأسرهم، فبعد أن كانت درنة هي مركز داعش في المنطقة، مَهد الجيش الوطني الليبي إلى حية آمنة بعيدة عن التطرف، بعدما دك شجعانه حصون الإرهاب بها، وأخضع من ظنوا أن لن يقدر عليهم أحد.