10 سنوات على أحداث 17 فبراير في ليبيا: سوداء تلك الليالي التي طالت علينا

0
642

10 سنوات ولم تجف دماء الليبيين، ولم تعد أموالهم التي سرقت، ولا أرواحهم التي زهقت، ولا ثرواتهم التي نهبت.. كل ما في الأمر، أن تغير العلم، واستعاد الجيش قوته.

بين صباح 17 فبراير 2011، وصباح نفس اليوم 2021، تغيير كل شيء، وبات الحلم الذي أريقت لأجله دماء الليبيين في مهب الريح، سرقه الإخوان وتكالب عليه المتطرفون، وصار بوابة لمئات الميليشيات المتطرفة، مروراً باحتلال تركي ومخطط قطري.

فالانتفاضة التي اشتعلت شراراتها من بنغازي عبر شباب وطني، آمن بالتغيير، وانتقلت إلى باقي المدن والبلديات، رأت أنها حققت انتصاراً، برفع علم الاستقلال في 21 أغسطس على مؤسسات الدولة الرسمية في العاصمة طرابلس بعد تحريرها، وسقوط معمر القذافي يوم 20 أكتوبر 2011.

لم يدر الشباب أن ذلك بداية الجحيم وبوابته، التي نفثت ناراً أكلت الأخضر واليابس، وتجسدت حياة الليبيين في عملهم، وبات لسان حالهم: “هذا علمنا، صممه أجدادنا، خضراء تلك الأرض التي ولدنا فيها، وسوداء تلك الليالي التي طالت علينا، وحمراء دماء شهدائنا، ثورنا تحت ظلاله، والتحف به شهدائنا، هذا علم ليبيا، ألوانه تروى قصتنا، وتعلن إيماننا الكامل بأرضنا”.

10 سنوات من الوجع يعيش الليبيون درجاته بشكل يومي، فما بين مخطط للتقسيم، بدأ من بنغازي ودرنة وكأنهما يدفعان ثمن شرارة الثورة، فمكن الإخوانالإرهابيين (درع ليبيا 1)، وأرسلت لهم قطر قائد قواتها الخاصة حمد بن فطيس المري، ودعمت الجماعة المقاتلة بقيادة عبدالحكيم بلحاج.

مخطط التقسيم كان واسع النطاق، فانشقت ألوية بأكملها عن الجيش الوطني، وشكلت كتائب وميليشيات وغيرها، تختلف أيدلوجياتها الدينية، وباتت قطر والإخوان تتلقف منها ما تستطيع، حتى لو تطلب الأمر شراء ذمم الجميع، ناهيك عن ميليشيات انضم لها عمال عاديين وطلاب جامعات، باتوا على رأس السلطة الآن.

ميليشيات الزاوية
ميليشيات الزاوية

استشرى العنف في المدن الليبية، وأكل الأخضر واليابس، درجة أن وقعت حرب أهلية بين الميليشيات المُتطرفة، ثم تدخلت كتائب توفير الحماية على الخط فاندلعت حرب أهلية طاحنة بين كل الأطراف.

ونجح الجيش الليبي في لملمة شتاته وفرض الاستقرار في كامل مدن الشرق الليبي والجنوب في معارك استمرت لسنوات تكللت بفرض الأمن وطرد تنظيمات القاعدة وداعش وتأمين المنشئات النفطية، لصالح الليبيين وحدهم، دون أي مخططات أو أجندات، كما فعل الخونة.

إقرأ أيضاً.. كيف استغلت جماعة الإخوان “فبراير” لسرقة السلطة في ليبيا؟

المجلس الانتقالي وتيسير مهمة الناتو

أثناء اندلاع الثورة سارعت قوى سياسية على رأسها الإخوان لتأسيس المجلس الوطني الانتقالي المؤقت، يوم 27 فبراير عام 2011، ممثلاً شرعياً للشعب الليبي، وواجهة للثورة الشعبية المتواصلة التي أسفرت عن سقوط مدن بشرق البلاد ومناطق أخرى بغرب البلاد في أيدي المتظاهرين.

آن ذاك، شدد رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل أن المجلس ليس حكومة انتقالية وأن المجلس يريد تحويل مقره من بنغازي إلى طرابلس التي ما زالت تحت قبضة القذافي، وجدد المجلس دعوته إلى ضربات جوية أممية لتمراكزات القوات الليبية، لتكون أول سقطة في جبين المجلس، الذي سهل فيما بعد تمكين جماعة الإخوان المسلمين.

ولم تكن سجدة المستشار مصطفى عبد الجليل، على أرض بنغازي شكراً لله على الإطاحة بنظام القذافي، صادقة، بل كانت مجرد إيذان بدخول ليبيا مرحلة جديدة من فوضى السلاح، حين ناشد الجميع بعدم إطلاق النار ابتهاجاً بالتحرير.

وخلال كلمته يوم 23 أكتوبر، روج لبرنامج جماعة الإخوان الاقتصادي، باستغلال الدين، قائلاً: “إن أي قانون مخالف للشريعة الإسلامية هو موقوف فورا، ومنها القانون الذي يحد من تعدد الزوجات، وأن ليبيا الجديدة ستسعى لإرساء نظام بنكي إسلامي، ومنها الإعفاء من الفوائد المصرفية لأي قرض اجتماعي أو سكني بحدود 10 آلاف دينار ليبي، وإلغاء الربا”. ورغم أن طبيعة المجتمع الليبي دينية محافظة إلا تلك عادة الجماعة.

إقرأ أيضاً.. الجيش الليبي “قصة” نسجها الأجداد وجسدها الأبناء

فوضى السلاح والاستحلال الأجنبي

لم تسلم الكتائب السلاح للدولة، بل سرعان ما انخرطت في المجال السياسي بعدما اتحد بعضها، وشكل ما يُعرف باسم “حراس الثورة”، وحاول الكثير من تلك الجماعات ملء الفراغ الأمني.

ودعا المستشار عبدالجليل، المجلس الوطني الانتقالي جميع الأطراف إلى التوحد تحت وزارة الدفاع كما توّعد المجلس بدفع رواتب للعاملين في تلك الجماعات، وهو الأمر الذي أعطى لها شرعية على العديد من الجماعات المسلحة.

واستشرى العنف، وبدأت تلك الميليشيات تغتال الكثير، ففي 11 سبتمبر 2012 هاجم مجموعة من المتشددين المتحالفين مع تنظيم القاعدة القنصلية الأمريكية في بنغازي، مما أسفر عن مقتل السفير الأمريكي وثلاثة آخرين.

مدرعات تركية في ليبيا
مدرعات تركية في ليبيا

وعلى مدار السنوات الثلاثة الأولى تأكد استحلال كثير من الدول للأراضي الليبية، ففي فبراير 2011، شهدت بنغازي عمليات إنزال جوية بريطانية، أي قبل صدور القرار 1973 الخاص بالتدخل في ليبيا الذي صدر في 17 مارس 2011، كما قامت الاستخبارات الفرنسية الخاصة هي الأخرى بإنزالاتها في غرب البلاد وقريباً من طرابلس.

وظهرت في ليبيا عمليات استخباراتية، تنفذها قوات خاصة أمريكية فرنسية بريطانية على الأرض، وبات أن عمليات الناتو تتركز في مدينتين رئيسيتين هما رأس لانوف (تقع في خليج سرت على البحر المتوسط) والنوفلية (127 كم إلى الشرق من سرت) اللتان كانتا تشكلان مركزاً أساسياً للعمليات التي يقوم بها تنظيم القاعدة.

تمكين الإخوان وشرعنة الاحتلال

أثناء فترة المجلس الانتقالي تغلغل الإخوان في الإدارة الوسطى للحكم في البريد والاتصالات والخارجية، ثم سيطروا على مفاصل الدولة في مصرف ليبيا المركزي ومؤسسة النفط وشركة الاستثمار؛ وباتت مجالس إداراتها في قبضة الجماعة حتى بعد مرور 10 سنوات، فعلى رأس مصرف ليبيا الآن الصديق الكبير، والمؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله

وتوسع المخطط لشرعنة تواجد جماعة الإخوان، فكان اتفاق الصخيرات، وهو اتفاق شمل مجلس النواب المنتخب والمؤتمر الوطني المنتهية ولايته في ليبيا تحت رعاية الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015 لإنهاء الحرب التي أعلنتها التنظيمات المتطرفة فيما يعرف “فجر ليبيا 2014”.

وبعد ذلك شرعت جماعة الإخوان عبر حلفائها فايز السراج ورجال مصراته في تبديد الثروات وشرعنة الاحتلال، مروراً بصفقات اقتصادية كثيرة مع تركيا، مروراً باتفاقية وقعت في نوفمبر 2019 لشرعنة الاحتلال التركي وإدخال قوات عسكرية في مواجهة الجيش الليبي.

حكومة الوفاق - المرتزقة السوريين
حكومة الوفاق – المرتزقة السوريين

قطر وتركيا والجريمة الكبرى

منذ 17 فبراير، تدخلت قطر وتركيا بقوة، وهي أول من اعترف بالمجلس الانتقالي؛ وكنت الإخوان والقاعدة بقيادة عبدالحكيم بلحاج وعلي الصلابي، وأرسلت قائد قواتها الخاصة حمد بن فطيس المري لدعم هذه الجماعات والقتال ضد القذافي، كذ هذا بما يمهد لها السيطرة على الغاز الليبي، وبالفعل ما حدث، حيث سيطرت على المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، وسيطرت على التسويق في النفط في تلك المؤسسة عبر شركة سويسرية تمتلك قطر ثاني أكبر أسهمها.

ودعمت قطر الجماعات المتطرفة بالسلاح مقابل السيطرة على الغاز، وحاولت مؤسسة النفط عن مؤسسة الغاز، عبر شراء الذمم لدعم الإخوان بالسيطرة على المؤسسة المتحكمة بتصدير النفط الليبي إلى الخارج.

الحال لم يكن بعيداً عن تركيا التي عكفت على نهب الثروات، من كعكعة تقاسمتها هي وقطر، والآن تسعى بعد 10 سنوات من دعم الخراب، إلى السيطرة على ملف على ملف إعادة الإعمار ونهب الثروات.

ولم تخجل إدارة رجب أردوغان، أن تعلن صراحة عن أطماعها في ليبيا، فمؤخراً قال أحد مستشاري أردوغان: “ليبيا بلد غني بثرواته النفطية وما يملكه من سواحل شاسعة على المتوسط، إلا أن الشعب لا يستفيد من هذه الثروات، وفي حال قامت تركيا بإدارة لتلك المصادر فستتحقق الرفاهية للشعب الليبي خلال فترة قصيرة”.

ووجدت أنقرة موضع قدم مستغلة علاقاتها القوية بالميليشيات المتطرفة، المدعومة من صديقتها قطر، وجماعة الإخوان المسلمين، وفتحت خطوط دعم مباشرة مع رجال جماعة الإخوان، وقادة الجماعة الليبية المقاتلة، فآوت أمراء الحرب وعالجتهم في مستشفياتها، بل جعلت من أراضيها منبراً لقنوات الإخوان.

كذلك جعلت من موانئها نقطة انطلاق للمقاتلين وقادة تنظيم القاعدة، وسفن السلاح، رغم الحظر الأممي، الذي أقره مجلس الأمن الدولي بقراره رقم 1970، في مارس 2011، بحظر بيع أو توريد الأسلحة إلى ليبيا، إلا أن تدفق الأسلحة بات مستمراً، كل ذلك ليعطيها الفرصة لخلق حالة من الفراغ الأمني والمؤسسي يتيح لها نهب الثروات الليبية وتعويض خسائر شركاتها في عهد القذافي.

رجب أردوغان وفايز السراج - شحنات عسكرية تركية ومرتزقة سوريين
رجب أردوغان وفايز السراج – شحنات عسكرية تركية ومرتزقة سوريين

الجيش الوطني نقطة مضيئة

في ظل الفوضى التي عانت منها ليبيا لسنوات، يظل الجيش الوطني الليبي نقطة مضيئة، خففت عن الليبيين الحياة المؤلمة التي عاشوها منذ أحداث فبراير، وحتى انطلاق عملية الكرامة في عام 2014، التي استهدفت تحرير الأراضي الليبية من حكم الميليشيات المتطرفة.

تذكر أن درنة كانت تحت سيطرة كتيبة أبوسليم، وكانت بنغازي تحت سيطرة درع ليبيا وكتيبة 17 فبراير وكتيبة راف الله السحاتي، وغيرها من البلدان التي حولت فيها الميليشيات الوضع لفوضى.

مع جهود لملمة شتات الجيش الليبي وعملية توحيد الكتائب التي قادها رجال شرفاء من الجيش، وعلى رأسهم المشير خليفة حفتر، كان من الواجب بدء عملية عسكرية لتطهير تراب الجيش الليبي، لذا كانت الكرامة، في 16 مايو 2014.

قوات الجيش الوطني أثناء معركة قنفودة
قوات الجيش الوطني أثناء معركة قنفودة

وبإعلان المشير خليفة حفتر انطلاق عملية الكرامة، والبدء في تحرير مدينة تلو الأخرى، حطم آمال التكفيريين في إنشاء دولة “متأسلمة” في ليبيا بعد أن فشلت مخططاتهم في سوريا والعراق، فتحولت بعدها العملية إلى ثورة شعبية هدفها تحرير كل شبر في ليبيا من أيادي المتطرفين.

وكانت أحد أهم الأسباب لإطلاق الجيش الوطني عملية الكرامة، ففي يوليو 2013 أصدرت هيومن رايتس ووتش تقرير أكدت فيه اغتيال 51 شخصيةً سياسية في أكبر موجة اغتيالات في مدينتي بنغازي ودرنة، وغيرها الكثير على مدار سنوات، وكان أبناء المؤسسة العسكرية أكثر المتضررين من حملة الاغتيالات التي طالت المئات منهم.

وظلمت الميليشيات أهالي مدن كثيرة وهجروهم، كمدينة تاورغاء، فبعد انتهاء ثورة فبراير، قامت ميليشيات مصراته بتهجير أهالي المدينة، وذلك في إطار عملية تصفية حسابات بين البلدان.

كذلك كان من الضروري إنهاء حصار الوزارات والمؤتمر الوطني، فالميليشيات المسلحة الوزارات والمؤسسات الحكومية، وفي عام 2013 حاصروا، دواوين وزارات الخارجية والعدل والداخلية والمالية، وتسبب ذلك في شلل تام، كما حاصروا مبنى المؤتمر الوطني العام، للضغط عليه لإصدار قانون العزل السياسي.

ووضع الجيش نصب عينه تطهير كامل الأراضي الليبية من المرتزقة والميليشيات المتطرفة، وأيضا الاحتلال التركي، فتعامل الند بالند مع الترسانة العسكرية التركية والقطرية في ليبيا، بأسلحة قديمة رغم حظر الأسلحة المفروض عليه من 2011.

إقرأ أيضاً.. لماذا أطلق خليفة حفتر عملية الكرامة؟