شهد الموقف الأوروبي تجاه تركيا تطورات كبيرة، وصلت إلى تهديد رسمي بفرض عقوبات ضد معرقلي الحوار الليبي، خاصة الدول المتدخلة لعرقلة مسارات الحل، وعلى رأسها أنقرة.
وتأتي تلك التغيرات مع استمرار التعديات التركية في البحر المتوسط، بما يمس آمن المصالح الأوروبية وعلى وجه الخصوص الفرنسية وكذلك تهديد قواتها الاستراتيجية في شمال أفريقيا وتحديداً في ليبيا.
وهددت فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا، الاثنين، بفرض عقوبات على الجهات التي تعرقل المفاوضات بين الفرقاء الليبيين، التي تهدف إلى إنشاء مؤسسات انتقالية إلى حين إجراء انتخابات في ديسمبر 2021.
وقالت الدول الأوروبية الأربع، في بيان مشترك نشرته الرئاسة الفرنسية: “مستعدون لاتخاذ تدابير ضد الجهات التي تعرقل منتدى الحوار السياسي الليبي والمسارات الأخرى لعملية برلين، وكذلك ضد الجهات التي تواصل نهب الأموال الحكومية وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد”، وفق ما ذكرت وكالة رويترز.
وجاء هذا الموقف الأوروبي فيما يبدو لتوجيه تحذيراً قويا إلى الدول التي تنتهك حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، وخاصة تركيا التي أعلنت مراراً وتكراراً مناهضتها لاتفاق جنيف حول ليبيا، والذي ينص على تجميد وتعليق كافة التدريبات العسكرية مع الدول الأجنبية وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا خلال 3 شهور.
ولا يخلو البيان الأوروبي من لغة التهديد والوعيد لتركيا، حيث رغبة القارة العجوز الضغط على أنقرة من أجل إيقاف تعدياتها المستمرة في البحر المتوسط، ومنع أي أنشطة غير قانونية مثل الحفر داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص أو تقويض قواتها البحرية لعملية السلام في ليبيا من خلال انتهاك حظر الأسلحة هناك.
يأتي هذا الحادث في وقت يشهد خلافا واسعاً بين تركيا والاتحاد الأوروبي، حيث حذر جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي من أن العلاقات مع أنقرة وصلت إلى لحظة فاصلة، بسبب تنقيب تركيا عن النفط في مياه تقول اليونان وقبرص إنها تابعة لهما. مضيفا أنه “من الممكن فرض عقوبات على تركيا الشهر المقبل”.
وفي خطوة تكشف إصرار تركيا على دعم الفوضى والحرب في ليبيا، وعدم الالتزام باتفاقيات الليبيين الموقعة مؤخرا، كشفت تقارير صحفية ألمانية عن رصد قوات ألمانية تعمل ضمن مهمة الاتحاد الأوروبي “إيريني” سفينة تركية مشبوهة متجهة إلى غرب ليبيا يعتقد أنها تحمل أسلحة ومعدات عسكرية ثقيلة.
وكان الاتحاد الأوروبي أطلق “مهمة إيرينى” منذ 7 مايو الماضي، لمراقبة حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، لجمع معلومات استخباراتية حول منتهكي قرار مجلس الأمن ذات الصلة.
وذكر موقع دير شبيغل الألماني الاثنين، أن الفرقاطة الألمانية “هامبورغ” أوقفت، سفينة الشحن التركية “روزالين إيه” على بعد 200 كيلومتر شمال مدينة بنغازي شرق ليبيا.
وأكد الموقع أن البعثة التي يقودها الاتحاد الأوروبي “إيريني” كانت لديها دلائل على أن الباخرة تحمل أسلحة يتم تهريبها إلى ليبيا، إلا أن الجنود الألمان اضطروا لمغادرة السفينة والسماح لها بإكمال طريقها إلى مدينة مصراتة بعد رفض تركي.
ويرى مراقبون أن محاولات الاتحاد الأوروبي عبر عملية إيريني تفتيش السفن التركية في البحر المتوسط وخاصة المتجهة إلى ليبيا، هو لضمان عدم عرقلة الحوارات الليبية التي تنعقد في بعض دول الجوار الليبي، بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة إيقاف أنقرة لدعم الميليشيات المسلحة بالعتاد العسكري والمرتزقة السوريين.
ويعكس موقف تركيا المتجاهل لدعوات المجتمع الدولي المطالبة بوقف دعم الحرب في ليبيا، والاستمرار في صب الزيت على النار عبر نقل للأسلحة والمرتزقة إلى غرب ليبيا، سعيها الدائم إلى تطويل أمد الأزمة للاستفادة القصوى من تدخلها في ليبيا عبر عملائها الذين يوفرون البيئة المناسبة لأنقرة لنهب ثروات الليبيين ومواردهم الرئيسية.
كما تواصل تركيا تدريباتها لميليشيات حكومة الوفاق منتهكة اتفاق جنيف الذي ينص على تعليق اتفاقات التدريب العسكري داخل ليبيا، وهو ما يعكس موقفها الرافض للاتفاق والتشكيك في مصداقيته رغم الترحيب الدولي.
ومذ أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نوفمبر 2019 نيته إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، وتفاقم تركيا بممارساتها وتدخلاتها الأزمة الليبية، داعمة حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني، بالأسلحة والعتاد.
كما نقلت آلاف المرتزقة السوريين إلى غرب ليبيا، وزجت بهم في معارك في العاصمة طرابلس، ما عقد التوصل إلى حل للأزمة ووقف لإطلاق النار وأخره لفترة طويلة.