ما زال الغموض يلف حادثة مقتل رئيس أركان حكومة الوحدة الوطنية، الفريق أول محمد الحداد، ومرافقيه، عقب سقوط الطائرة التي كانت تقلهم أثناء عودتهم من مهمة رسمية في تركيا، وسط تضارب الروايات وتنامي التساؤلات حول حقيقة ما جرى.
وبحسب الرواية التركية، اختفت الطائرة عن شاشات المراقبة بعد أقل من 40 دقيقة على إقلاعها، نتيجة عطل كهربائي مفاجئ، قبل الإعلان لاحقًا عن تحطمها. وفي المقابل، سارع رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة إلى إعلان مقتل الحداد ورفاقه، والكشف عن تحطم طائرة من طراز «فالكون 50»، مع إصدار قرار بتشكيل لجنة أمنية لتولي التحقيق في الحادثة.
ومع عثور قوات الدرك التركية على الصندوق الأسود، أعلنت أنقرة نيتها تحليل بياناته في دولة محايدة، في خطوة قالت إنها تهدف إلى ضمان الشفافية، حيث تم اختيار ألمانيا في البداية. غير أن برلين اعتذرت عن إجراء التحليل، بدعوى عدم توفر الإمكانيات الفنية اللازمة للتعامل مع هذا النوع من الطائرات، ليُتفق لاحقًا، بقرار مشترك ليبي تركي، على إرسال الصندوق الأسود إلى بريطانيا.
هذا المسار في التحقيقات فتح الباب أمام تساؤلات واسعة في الشارع الليبي، لا سيما في ظل حساسية الحادثة وموقع الضحايا العسكري الرفيع، إلى جانب توقيت التطورات التي أعقبتها، وعلى رأسها تكليف معاون رئيس الأركان صلاح النمروش بتولي مهام رئاسة الأركان بشكل مؤقت.
وزادت حدة الجدل مع اتهامات وُجهت إلى حكومة الوحدة بضعف رد الفعل السياسي والمؤسسي تجاه الحادث، مقارنة بحجم الفاجعة، وهو ما غذّى الشكوك لدى قطاع من الرأي العام. كما أثارت بعض المشاهد السياسية اللاحقة، ومنها ظهور رئيس الحكومة في لقاءات رسمية بعد الحادث بوقت وجيز، حالة من الاستياء والتساؤل حول جدية التعاطي مع الحادثة وتداعياتها.
وبين فرضية الخلل الفني، واحتمالات أخرى لم تُحسم بعد، تبقى الحقيقة معلّقة بانتظار ما ستكشف عنه نتائج التحقيق الفني للصندوق الأسود، في وقت يطالب فيه الليبيون بتحقيق شفاف ومستقل يجيب عن السؤال الأبرز: هل كان ما حدث مجرد حادث عرضي، أم أن وراءه ما هو أبعد من ذلك؟
وفي هذا السياق، قال الباحث القانوني أسامة أبو ناجي إن حادثة سقوط الطائرة التي كانت تقل الحداد ورفاقه تمثل مصابًا جللًا، ولا يمكن التعامل معها كحادث طيران عادي، نظرًا لكون الرحلة ذات طابع رسمي وسيادي. وأكد أن اختزال الواقعة في بعدها الفني يقلل من خطورتها وتداعياتها الأمنية والسياسية والقانونية.
وأوضح أبو ناجي أن التعامل مع الحادثة يفرض التمييز بين مسارين للتحقيق، الأول فني يختص بتحليل بيانات الصندوق الأسود، والثاني جنائي لتحديد ما إذا كان السقوط عرضيًا أم بفعل فاعل، مشددًا على ضرورة أن تتولى دولة محايدة إصدار التقرير الفني، مع مشاركة مباشرة وفاعلة للدولة الليبية لضمان نزاهة النتائج.
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي إسلام الحاجي أن اعتذار ألمانيا عن فتح الصندوق الأسود لا يستند إلى مبررات تقنية حقيقية، مرجحًا أن يكون ذا أبعاد سياسية، في ظل حرص بعض الدول الأوروبية على تجنب أي تداعيات محتملة قد تنتج عن نتائج التحقيق، خاصة في ظل علاقاتها مع تركيا.
وأوضح الحاجي أن التحقيق في حوادث الطيران لا ينفصل عن الحسابات السياسية، وأن اختيار بريطانيا لتحليل الصندوق الأسود يندرج في إطار إدارة ما يُعرف بـ«الملفات الرمادية»، بما يضمن عدم تفجير أزمات سياسية، معربًا عن ترجيحه أن تنتهي النتائج الرسمية إلى أسباب فنية، مع بقاء الجدل السياسي قائمًا.
ويرى مراقبون أن اختيار حكومة الوحدة تحليل الصندوق الأسود في بريطانيا يثير الشكوك حولها، حيث أن بريطانيا لا تعتبر طرفًا محايدًا، بل تمتلك تدخلات وأطماعًا وسياسات مخابراتية واضحة في ليبيا، وكان من المفترض إسناد المهمة إلى دولًا غير منخرطة في الملف الليبي سياسيًا أو استخباراتيًا، ولا تمتلك نفوذًا أو أطماعًا فيه، مثل اليابان أو كندا.
وبين تضارب الروايات وتعدد القراءات، تبقى حقيقة سقوط الطائرة مرهونة بما ستكشفه نتائج التحقيق الفني، وسط مطالب بكشف ملابسات الحادث كاملة بعيدًا عن الحسابات السياسية.
- لماذا دخلت بريطانيا على خط تحقيقات سقوط طائرة رئيس أركان حكومة الوحدة؟

- ليبيا.. الدبيبة يتسلم رسالة من رئيس جهاز المخابرات المصرية

- مباحثات في عمان لتعزيز التعاون بين الجيش الوطني الليبي والجيش الأردني

- مؤسسة النفط الليبية تستعرض نشاط شركاتها لعام 2025 وخطط 2026

- رئيس البرلمان الليبي يقترح تشكيل لجنة للإشراف على الانتخابات بدلاً من حكومة جديدة





