74 عاماً على عيد الاستقلال.. الليبيون يحتفلون “حداداً”!

0
154

في الرابع والعشرين من ديسمبر من كل عام، يستحضر الليبيون ذكرى استقلال بلادهم، باعتبارها محطة مفصلية في تاريخ الدولة الليبية الحديثة، ونتيجة مباشرة لكفاح طويل خاضه الآباء والأجداد ضد الاستعمار الأجنبي ومشاريع الوصاية والتقسيم، ففي هذا اليوم من عام 1951، أُعلن استقلال ليبيا رسمياً تحت اسم “المملكة الليبية المتحدة”، لتدخل البلاد مرحلة الدولة ذات السيادة والحكم الدستوري الديمقراطي.

وجاء الاستقلال بعد سنوات من الصراعات الدولية على الأرض الليبية، ومحاولات فرض الهيمنة وتقاسم النفوذ تحت ذرائع مختلفة، أبرزها الوصاية الدولية، غير أن المساعي السياسية والنضالية التي قادها الليبيون داخل البلاد وخارجها نجحت في إفشال تلك المخططات، عبر تحرك منظم قاده ممثلو الأقاليم الثلاثة، تُوِّج بصدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم “289”، القاضي بمنح ليبيا استقلالها الكامل في موعد أقصاه مطلع عام 1952.

ومع حلول الذكرى الرابعة والسبعين للاستقلال، يقف الليبيون وقفة تأمل في تجربة تأسيس الدولة، التي مثّلت آنذاك واحدة من التجارب الديمقراطية الرائدة إقليمياً، حيث شهدت البلاد خلال الحقبة الملكية أربع انتخابات تشريعية، ورسخت مفاهيم الدستور وسيادة القانون وبناء المؤسسات.

وبدأت فصول المقاومة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي مطلع القرن العشرين، عقب توقيع معاهدة أوشي في 18 أكتوبر 1912، التي تنازلت بموجبها الدولة العثمانية عن ليبيا لصالح إيطاليا، وأدرك الليبيون حينها أن مسؤولية الدفاع عن الوطن باتت تقع على عاتقهم مباشرة، فاندلعت حركة جهاد واسعة في مختلف المناطق، حدّت من قدرة القوات الإيطالية على بسط سيطرتها خارج المدن الساحلية.

وخلال الحرب العالمية الأولى، تداخلت العوامل الإقليمية والدولية مع مسار المقاومة، إذ قادت الحركة السنوسية، بزعامة أحمد الشريف السنوسي، مواجهات عسكرية في الشرق، قبل أن تنتقل القيادة إلى إدريس السنوسي، بينما واصل المجاهد عمر المختار قيادة الكفاح المسلح في الجبل الأخضر، وفي الغرب، برزت أسماء وطنية قادت المقاومة في طرابلس، من بينهم سليمان الباروني ورمضان السويحلي وغيرهم، وصولاً إلى إعلان الجمهورية الطرابلسية ثم حكومة الإصلاح.

وعقب هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية وخروجها من ليبيا، ملأت القوى المنتصرة، وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة، الفراغ السياسي والعسكري، دون التوغل في عمق البلاد، وفي عام 1949، طُرح مشروع “بيفن – سيفورزا”، الذي نص على فرض وصاية دولية على الأقاليم الليبية الثلاثة، إلا أن المشروع فشل داخل الأمم المتحدة، نتيجة تحركات مكثفة قام بها الوفد الليبي لحشد الدعم الدولي لوحدة البلاد واستقلالها.

وفي 21 نوفمبر 1949، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها التاريخي رقم 289، الذي مهّد الطريق لتأسيس دولة ليبية مستقلة، وشُكّلت لجنة أممية للإشراف على تنفيذ القرار ونقل السلطة إلى حكومة ليبية وطنية، تلا ذلك تشكيل الجمعية التأسيسية في أكتوبر 1950، بواقع ستين عضواً يمثلون الأقاليم الثلاثة بالتساوي.

وأسفرت أعمال الجمعية التأسيسية عن الاتفاق على نظام اتحادي، وصياغة دستور البلاد، ثم إعلان حكومة اتحادية مؤقتة برئاسة محمود المنتصر في مارس 1951، بينما وفي ديسمبر من العام نفسه، نُقلت السلطات المالية إلى الحكومة الاتحادية، قبل أن يُعلن رسمياً في 24 ديسمبر 1951 استقلال ليبيا واختيار إدريس السنوسي ملكاً للمملكة الليبية المتحدة.

وفي خطابه التاريخي، أعلن الملك إدريس استقلال البلاد، مؤكداً الالتزام بالدستور وبناء دولة دستورية حديثة، وداعياً الليبيين إلى الحفاظ على الاستقلال الذي تحقق بثمن غالٍ، ونقله بأمانة إلى الأجيال القادمة.

ورغم التحديات التي واجهت الدولة الوليدة، وما صاحب النظام الاتحادي من صعوبات، تمكن الليبيون عبر ممثليهم المنتخبين من تعديل الدستور في 26 أبريل 1963، وإلغاء النظام الفيدرالي، لتقوم دولة ليبيا الموحدة وعاصمتها طرابلس.

ورغم أن ذكرى الاستقلال مناسبة وطنية جامعة، يجدد فيها الليبيون تمسكهم بقيم الوحدة والتعايش، ويستحضرون روح التضامن التي وحّدتهم في مواجهة الاستعمار، إلا أن هذا العام يحتفلون في ظل أجواء ضبابية، تخيم على الجميع، مع استمرار عدم حدوث انفراجة في الأزمة السياسية، من شأنها إتمام الانتخابات الليبية ونهاية المراحل الانتقالية.

وفي ظل استعدادات الليبيين للاحتفال في بعيد الاستقلال، أعلنت كلا الحكومتين الحداد العام في جميع المدن الليبية، حداداً على وفاة رئيس أركان حكومة الوحدة الفريق أول محمد الحداد والوفد المرافق له، عقب عودتهم من زيارة رسمية في تركيا، وذلك بعد دقائق من إقلاع الطائرة من أنقرة.

ومساء الثلاثاء، أعلن رئيس حكومة الوحدة، عبد الحميد الدبيبة، وفاة رئيس الأركان بالحكومة الفريق أول محمد الحداد والوفد المرافق له جراء تحطم طائرتهم في أنقرة.

ووصف الدبيبة، في بيان رسمي، الحادث بأنه خسارة كبيرة للوطن وللمؤسسة العسكرية ولجميع أبناء الشعب، مشيراً إلى أن الضحايا خدموا بلادهم بإخلاص وكانوا مثالاً في الانضباط والمسؤولية والالتزام الوطني.

وضم الوفد رئيس أركان القوات البرية الفريق الفيتوري غربيل، ورئيس جهاز التصنيع الحربي العميد محمود الفضيوي، ومستشار رئيس الأركان محمد العصاوي، ومصور رئيس الأركان محمد محجوب.

وتوجهت الطائرة، من طراز “فالكون 50″، إلى طرابلس قبل أن تتعرض لعطل فني بعد الإقلاع، ما دفع الطاقم لمحاولة العودة اضطرارياً إلى مطار إيسنبوغا، لكن فقد الاتصال بها أثناء العودة، وسط توقعات بسقوطها قرب العاصمة، وفق وسائل إعلام تركية.

وتتبعت صحيفة “الشاهد” الليبية مسار الطائرة عبر موقع “فلايت رادار”، وأظهرت البيانات اختفائها بعد 16 دقيقة فقط من الإقلاع. وسجلت بيانات التتبع ارتفاعاً تدريجياً للطائرة عقب الإقلاع، ثم انخفاضاً مفاجئاً قبل انقطاع الاتصال بالكامل.