“آلية بديلة” بلا ضمانات.. كيف تواصل الأمم المتحدة إدارة الأزمة الليبية بدل حلّها؟

0
145
إحاطة هانا تيتيه في مجلس الأمن
إحاطة هانا تيتيه في مجلس الأمن

أعاد تلويح بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بطرح “آلية بديلة” للحل السياسي، في حال فشل مجلسي النواب والدولة، طرح أسئلة جوهرية حول طبيعة الدور الأممي وحدود مسؤوليته في تعقيد الأزمة الليبية، فبدل أن يشكّل هذا الطرح مخرجاً من حالة الانسداد، يعكس في جوهره استمرار نهج إدارة الأزمة عبر مسارات متبدلة، دون معالجة الأسباب البنيوية للفشل.

رئيسة البعثة الأممية هانا تيتيه أعلنت صراحة أنها ستقترح على مجلس الأمن الدولي آلية بديلة في إحاطتها المقررة في فبراير 2025، إذا لم يتوصل المجلسان إلى اتفاق بشأن استحقاقات خارطة الطريق السياسية، وهو تصريح يكشف استعداد البعثة للانتقال السريع من مسار إلى آخر، قبل استنفاد أدوات الضغط السياسي داخل الإطار القائم.

وخلال إحاطتها، حدّدت البعثة أولويات خارطة الطريق في “إعادة تشكيل مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات”، و”النظر في التعديلات على الإطار الدستوري والقانوني المنظم للانتخابات والمصادقة عليها”، لكنها أقرت في الوقت ذاته بأنه “لم يحدث تقدم بشأن إعادة تعيين مجلس إدارة المفوضية حتى الآن”، في اعتراف واضح بتعثر المسار الذي تشرف عليه.

اللافت أن البعثة أرجعت هذا التعثر إلى “غياب الثقة بين المؤسستين، والانقسامات الداخلية في كل منهما، وعدم القدرة على تجاوز خلافاتهما”، معتبرة أن التأخير “ينم” عن أزمة داخلية ليبية بحتة، غير أن هذا التوصيف يتجاهل دور البعثة نفسها في إدارة هذا الخلاف، ويختزل أزمة سياسية معقدة في سلوك مؤسسات، دون مراجعة الأدوات الأممية التي أثبتت محدوديتها.

ويرى مراقبون، أن الأخطر في خطاب البعثة هو تأكيدها أن العملية السياسية “لا ينبغي أن تُؤخذ رهينة تقاعس الأطراف السياسية الفاعلة الرئيسية، التي تُبقي على الوضع الراهن، سواء عن قصد أو غير قصد”، وهو توصيف يحمل في طياته مبررًا جاهزًا لتجاوز المؤسسات القائمة، وفتح الباب أمام مسارات بديلة، دون توافق وطني جامع.

ويعكس هذا المنطق مشكلة متكررة في المقاربة الأممية: التعامل مع المؤسسات الليبية كعائق يجب تجاوزه عند التعثر، لا كأزمة بنيوية تحتاج إلى معالجة سياسية عميقة، ومع كل فشل، يتم تحميل المسؤولية للأطراف المحلية، بينما تُستثنى البعثة من أي مساءلة حول جدوى استراتيجياتها المتكررة.

وعند وضع هذا الطرح في سياقه التاريخي، يتضح أن “الآلية البديلة” ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من المبادرات الأممية التي فشلت منذ عام 2011، فقد رعت الأمم المتحدة عشرات الجولات الحوارية، واتفاقيات سياسية، ومؤتمرات دولية، جميعها رُوّج لها كفرص أخيرة، لكنها انتهت بتكريس الانقسام أو إعادة إنتاجه بصيغ مختلفة.

اتفاق الصخيرات، الذي أُعلن كإطار نهائي للحل، تحول إلى مصدر دائم للخلاف حول الشرعية. والمؤتمرات الدولية اللاحقة لم تفرض التزامات حقيقية على الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي، بل اكتفت بإدارة التوازنات، أما ملتقى الحوار السياسي في جنيف، فرغم ما أُحيط به من دعم أممي، أفضى إلى سلطة انتقالية جديدة، أضافت حلقة أخرى إلى سلسلة المراحل المؤقتة التي لا تنتهي بل وزادت الأزمة تعقيداً.

واليوم، تعود البعثة لتطرح “الحوار المُهيكل” كأداة تشاورية جديدة، مؤكدة أنها ستستفيد من توصيات المشاركين “لتهيئة الظروف السياسية اللازمة لإجراء الانتخابات”، غير أن التجربة السابقة تُظهر أن هذه الحوارات، في غياب إطار ملزم وضمانات تنفيذ، تتحول إلى مساحات نقاش بلا نتائج حاسمة.

في المحصلة، فإن تصريحات البعثة نفسها تكشف مأزق الدور الأممي في ليبيا: اعتراف بالفشل، تحميل للمسؤولية، ثم القفز إلى مسار بديل دون مراجعة حقيقية، وبينما تتكرر الوعود بانتخابات “ذات مصداقية”، يستمر الواقع السياسي في الدوران داخل الحلقة ذاتها.

ومع اقتراب إحاطة فبراير، يبدو أن ليبيا ليست أمام مقاربة جديدة بقدر ما هي أمام إعادة تدوير لأدوات أثبتت عجزها، ما يطرح سؤالاً جوهرياً: هل تبحث الأمم المتحدة فعلًا عن حل، أم تكتفي بإدارة الأزمة وتبديل عناوينها؟