باكستان النووية تعزز التعاون العسكري مع الجيش الليبي.. دلالات أمنية واستراتيجية

0
123

لم تكن زيارة قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، إلى مدينة بنغازي حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل جاءت في توقيت دقيق يحمل دلالات عسكرية وسياسية واستراتيجية عميقة، تعكس تحولات واضحة في موقع المؤسسة العسكرية الليبية على خارطة التوازنات الإقليمية والدولية، وتفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول أبعاد هذا التقارب وأهدافه.

استقبال القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، لنظيره الباكستاني في مقر القيادة العامة ببنغازي، وبمراسم رسمية عسكرية رفيعة، يبعث برسالة واضحة مفادها أن الشرق الليبي بات مركز ثقل عسكري وأمني فاعل، وقادرًا على استقطاب قيادات عسكرية من دول ذات وزن استراتيجي كبير.

ويرى مراقبون أن اختيار بنغازي تحديدًا كمحطة لهذه الزيارة يعكس اعترافًا دوليًا متزايدًا بدور القيادة العامة للجيش الوطني الليبي في معادلة الاستقرار، بعد سنوات من المعارك ضد الإرهاب وإعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس أكثر انضباطًا وتنظيمًا.

تكتسب الزيارة أهميتها أيضًا من هوية الطرف الزائر، فالجيش الباكستاني يُصنّف ضمن أقوى الجيوش في العالم، حيث يحتل المرتبة الثانية عشرة عالميًا وفق تقارير عام 2025، وهو واحد من تسعة جيوش فقط تمتلك السلاح النووي، والجيش الإسلامي الوحيد الذي يمتلك هذه القدرة الرادعة.

ولا تقتصر قوة باكستان العسكرية على البعد النووي فحسب، بل تمتد إلى ترسانة متكاملة برية وجوية وبحرية، وخبرات طويلة في مجالات مكافحة الإرهاب، والاستخبارات، وتأمين الحدود، وبناء الجيوش النظامية، إلى جانب علاقات استراتيجية واسعة مع دول كبرى مثل الصين وتركيا والسعودية.

تصريحات قائد الجيش الباكستاني خلال الزيارة، والتي أكد فيها أن ليبيا تحت قيادة المشير خليفة حفتر ستكون «آمنة ومستقرة»، حملت رسائل سياسية واضحة، سواء للداخل الليبي أو للأطراف الإقليمية والدولية. كما أن إشادته بدور القيادة العامة وانتصاراتها في مواجهة الإرهاب تعكس ثقة متنامية في دور المؤسسة العسكرية الليبية كضامن رئيسي للأمن.

ويرى محللون أن هذه الزيارة تمثل ردًا عمليًا على محاولات تهميش المؤسسة العسكرية أو التعامل معها كطرف ثانوي، إذ تؤكد أن دولًا بحجم باكستان لا تدخل في شراكات عسكرية إلا مع جهات تمتلك القرار والسيطرة والانضباط على الأرض.

تأتي هذه الزيارة استكمالًا لمسار بدأ خلال زيارة نائب القائد العام الفريق أول ركن صدام حفتر إلى باكستان في يوليو الماضي، والتي أسفرت عن توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين الجانبين. وهو ما يشير إلى انتقال العلاقات الليبية–الباكستانية من مستوى التواصل إلى مستوى الشراكة العملية في مجالات التدريب، وتبادل الخبرات، وربما التصنيع العسكري مستقبلاً.

ويرجح خبراء أن هذا التعاون قد يسهم في رفع كفاءة الجيش الوطني الليبي، مستفيدًا من التجربة الباكستانية الطويلة في بناء المؤسسات العسكرية النظامية، خاصة في ظل التحديات الأمنية التي تواجه ليبيا والمنطقة.

في قراءة أوسع، تعكس الزيارة تحولات في تموضع ليبيا العسكري إقليميًا، وتؤكد أن أي حل سياسي مستدام لا يمكن أن يتم بمعزل عن مؤسسة عسكرية موحدة وقوية. كما تعزز فكرة أن الاستقرار يبدأ من الأمن، وأن الشراكات العسكرية الدولية أصبحت جزءًا من معادلة بناء الدولة الليبية.

وفي هذا السياق، تبدو زيارة قائد الجيش الباكستاني إلى بنغازي بمثابة رسالة مزدوجة: رسالة دعم للمؤسسة العسكرية الليبية، ورسالة تأكيد على أن ليبيا لم تعد ساحة صراع مفتوحة، بل شريكًا محتملًا في ترتيبات أمنية إقليمية أوسع.

ويرى مراقبون أن الزيارة تعكس بشكل غير مباشر الفارق في مستوى الاستقرار والأمن بين مناطق البلاد، إذ تأتي إلى شرق وجنوب ليبيا اللذين يشهدان حالة من الاستقرار والانضباط الأمني ووجود مؤسسة عسكرية موحدة تفرض السيطرة على الأرض، مقارنة بحالة الفوضى الأمنية وتعدد مراكز القوة في المناطق التي تسيطر عليها حكومة الوحدة المعترف بها دولياً في غرب البلاد، حيث تتواصل الانتهاكات الأمنية وارتكاب الجرائم في ظل ضعف سيطرة المؤسسة الأمنية.

ويذهب محللون إلى أن اختيار بنغازي كمحطة لهذه الزيارة العسكرية الرفيعة يحمل دلالة واضحة على أن الاستقرار بات عامل جذب للشراكات الدولية، وأن الأمن أصبح معيارًا أساسيًا في بناء العلاقات العسكرية والدبلوماسية، بعيدًا عن الاعترافات الشكلية وحدها.