لم يعد الفساد في ليبيا مجرد ظاهرة عابرة أو ممارسات فردية معزولة، بل تحوّل مع مرور السنوات إلى بنية مترسخة داخل مؤسسات الدولة، تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد والمجتمع، وتتشابك حولها المصالح المحلية والخارجية، في مشهد يصفه خبراء بأنه أحد أخطر التحديات التي تهدد كيان الدولة ومسارها الانتقالي.
ويذهب مراقبون إلى أن حجم ظاهرة الفساد في ليبيا وتعقيدها يجعلان القضاء عليها بالكامل أمرًا بالغ الصعوبة، في حين يبقى تقليصها والحد من انتشارها خيارًا ممكنًا إذا توفرت الإرادة السياسية والأدوات المؤسسية الفاعلة.
يرى خبراء أن طبيعة الاقتصاد الريعي لعبت دورًا محوريًا في تغذية الفساد في ليبيا، إذ أصبح الاعتماد شبه الكامل على عائدات النفط عاملًا مضعفًا للرقابة المجتمعية، مع شعور عام بأن المال العام مورد متاح للجميع وليس ثمرة جهد إنتاجي، ما خفف من حساسية المواطنين تجاه نهبه وسوء استخدامه.
ويضاف إلى ذلك ضعف المؤسسات وغياب الدولة الموحدة، حيث لم يكن الانقسام السياسي سببًا في نشأة الفساد بقدر ما كان عاملًا ساهم في تعميقه وتوسيع دوائره، في ظل غياب منظومة قانونية وإدارية قادرة على فرض المحاسبة وضبط الإنفاق العام. ويشير محللون إلى أن نظام المحاصصة الجهوية والقبلية، الذي ترسخ خلال السنوات الماضية، فاقم الأزمة بدلًا من حلها، وحوّل المناصب والموارد إلى أدوات توزيع نفوذ لا معايير كفاءة.
على المستوى المؤسسي، يؤكد مختصون أن أجهزة الرقابة القائمة، رغم كشفها لعدد من المخالفات، لا تشكل منظومة متكاملة لمكافحة الفساد، إذ تفتقر للتنسيق، وتعتمد على أدوات تقليدية، وتعاني من تضارب الاختصاصات، فضلًا عن غياب الرقابة الحكومية الداخلية داخل الوزارات والهيئات نفسها.
ويُنظر إلى ضعف المنظومة المالية للدولة، وغياب نظام خزينة موحد، وموازنات قائمة على الأداء، باعتبارها من الأسباب الرئيسية التي سمحت بظهور شبكات فساد قوية داخل المؤسسات، تحوّلت مع الوقت إلى ما يشبه “إمبراطوريات” يصعب المساس بها. ويذهب خبراء إلى أن معالجة الجزء الأكبر من الفساد تبدأ من إصلاح هذه الحلقة الداخلية، قبل الاكتفاء بدور لاحق للأجهزة الرقابية الخارجية.
ولا يقف تأثير الفساد عند حدود المؤسسات السياسية والإدارية، بل يمتد إلى النسيج الاجتماعي ذاته، حيث تحوّل في نظر بعض الشرائح من سلوك مدان إلى ممارسة يتم تبريرها باعتبارات جهوية أو قبلية أو حتى بوصفها “تعويضًا” عن غياب الدولة.
ويحذر مراقبون من خطورة هذا التحول الثقافي، الذي أدى إلى حماية مسؤولين متهمين بالفساد بدوافع الانتماء، وخلق بيئة معادية للمحاسبة، بل مهيأة لاستمرار الفوضى. ويعزز هذه الصورة تراجع سيادة القانون، مع آلاف الأحكام القضائية غير المنفذة، ووقائع تشير إلى تداخل النفوذ السياسي والإداري مع مسار العدالة.
وتعكس المؤشرات الدولية حجم الأزمة بوضوح، إذ تحتل ليبيا مراتب متقدمة عالميًا في مؤشرات الفساد والجرائم الاقتصادية وغسل الأموال، ما ينذر بتعقيدات أكبر في السنوات المقبلة إذا استمر الواقع على حاله دون إصلاح جذري.
ويرى خبراء أن أي مسار جاد لمكافحة الفساد لا يمكن أن ينجح دون إطار شامل للحوكمة يبدأ من القمة، ويعتمد على الشفافية، وإصلاح القوانين، وبناء مؤسسات قوية، إلى جانب تفعيل دور المجتمع المدني، باعتباره أحد محركات الضغط والتغيير.
وبين هذا الواقع المعقد وتلك الطروحات الإصلاحية، يبقى السؤال مطروحًا بقوة: هل تملك ليبيا القدرة والإرادة للانتقال من إدارة الفساد إلى محاربته فعليًا، أم أن الظاهرة ستظل جزءًا من المشهد السياسي والاقتصادي لسنوات قادمة؟
- هل أصبح الفساد في ليبيا واقعًا مستعصيًا على المعالجة؟

- ليبيا.. الدبيبة يبحث مع القائم بالأعمال الأمريكي تعزيز العلاقات والتعاون الاقتصادي

- المبعوثة الأممية تناقش مع القائم بالأعمال الأمريكي تطورات المشهد السياسي في ليبيا

- رئيس مؤسسة النفط يستعرض مع شركة “بي بي” خطط الاستثمار بعد افتتاح مكتبها بطرابلس

- الباعور يبحث مع المبعوثة الأممية مستجدات الملف السياسي في ليبيا





