الدبيبة يناور لتشكيل حكومة جديدة بالتعاون مع البعثة… والليبيون يرفضون “إعادة التدوير” ويطالبون بالتغيير

0
106
رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد دبيبة
رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد دبيبة

تشهد الساحة الليبية في الآونة الأخيرة حالة من التصاعد في التوتر السياسي والشعبي، وسط مؤشرات على مساعٍ يقودها رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، عبدالحميد الدبيبة، لإعادة ترتيب موقعه في المشهد عبر مقترحات تتعلق بتشكيل حكومة جديدة برئاسته بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة، في ظل رفض متنامٍ داخل طرابلس ومناطق الغرب لاستمرار حكومته بعد سنوات من العجز الخدمي والاقتصادي، فضلاً عن فشلها في إجراء الانتخابات.

وكانت المبعوثة الأممية إلى ليبيا هانا تيتيه قد طرحت في أغسطس الماضي خريطة طريق جديدة تمتد بين 12 و18 شهراً، تهدف إلى كسر الجمود السياسي القائم منذ سنوات وفتح المجال أمام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وتستند الخطة إلى ثلاث ركائز رئيسية: إعداد إطار انتخابي متماسك وقابل للتنفيذ، وتشكيل حكومة تنفيذية موحدة تدمج مؤسسات الشرق والغرب، وإطلاق حوار مهيكل يشمل مختلف الأطياف لمعالجة القضايا الخلافية، خصوصاً الأمنية والاقتصادية والانتخابية.

إلا أن الدبيبة أكد رفضه لفكرة تشكيل حكومة جديدة أو الدخول في مرحلة انتقالية أخرى دون إجراء انتخابات رئاسية مباشرة، معتبراً أن القوانين الانتخابية كانت وما زالت العائق الأساسي أمام إجراء الانتخابات منذ 2021، ومشدداً على أن الذهاب المباشر للانتخابات على أساس قوانين قابلة للتنفيذ هو الحل الوحيد لإنهاء الانقسام السياسي وتحقيق إرادة الليبيين.

وفي لقائه الأخير مع تيتيه، جدّد الدبيبة دعمه الكامل لها ولمبادرات البعثة، متمسكاً في الوقت نفسه بخيار التوجه مباشرة للانتخابات. إلا أن طبيعة خريطة الطريق الأممية، وما تضمنته من بنود واضحة حول تشكيل حكومة موحّدة لقيادة المرحلة المقبلة، تعزز الانطباع بأن التواصل المتكرر بين الطرفين يتجاوز الترتيبات الانتخابية، وينفتح على نقاشات تتعلق بشكل السلطة خلال الأشهر المقبلة.

لكن هذه التحركات تواجه حالة غضب شعبي آخذة في الاتساع داخل طرابلس ومناطق الغرب الليبي ضد حكومة الدبيبة، والذي يريد إسقاط الحكومة بالكامل وليس التعديل، حيث يشعر المواطنون بقلق متزايد من تدهور الأوضاع المعيشية، بدءاً من تأخير المرتبات وشلل المصارف وغياب السيولة، وصولاً إلى الغلاء الحاد وغياب الكتاب المدرسي الذي حُرم منه آلاف التلاميذ.

ويعكس بيان حراك أبناء سوق الجمعة، أحد أبرز الحراكات النشطة في طرابلس، حجم الاحتقان الشعبي، إذ وصف الوضع بأنه تدهور خطير لا يمكن السكوت عنه، واتهم الحكومة بالفشل وسوء الإدارة وإهدار المال العام. وأكد البيان أن محاولات الحكومة تحميل الأزمة لأطراف أخرى لم تعد تقنع أحداً، وأن استمرارها يعني مزيداً من الانهيار والضغط على الأسر الليبية التي وصلت إلى حافة العجز عن توفير أساسيات الحياة.

ويرى مراقبون أن هذا المزاج الشعبي المتوتر يقلل من قدرة الدبيبة على المناورة داخل طرابلس، خصوصاً في ظل شعور عام بأن الحكومة فقدت السيطرة على الملفات الخدمية، وأن الحديث عن إعادة تشكيل السلطة أو الدخول في ترتيبات جديدة بمشاركة البعثة الأممية قد يُنظر إليه كعملية التفاف لإعادة إنتاج نفس المنظومة.

وبين مساعٍ أممية لإعادة هيكلة السلطة، ومحاولات من الدبيبة للحفاظ على موقعه داخل أي ترتيبات جديدة، تتزايد مخاوف الليبيين من دخول البلاد في مرحلة طويلة من الترتيبات السياسية التي قد تطيل عمر الأزمة بدلاً من إنهائها. وفي المقابل، تتنامى الدعوات داخل طرابلس ومحيطها لضرورة تغيير المشهد التنفيذي بالكامل، باعتبار أن أي حلول لا تمر عبر صناديق الاقتراع، ولا تضع مصلحة المواطن في قلب العملية السياسية، ستظل مجرد إعادة تدوير للأزمة ذاتها التي أنهكت الليبيين لسنوات طويلة.