ارتفاع سعر الدولار وتفاقم العجز.. أين الإصلاح الاقتصادي الليبي؟

0
104

شهد سعر الدولار الأميركي مقابل الدينار الليبي ارتفاعاً جديداً في الفارق بين السعر الرسمي والسوق الموازية، إذ بلغ الفرق نحو 1.95 دينار، مع بقاء متوسط السعر الرسمي عند 5.44 دينار يضاف إليه رسم 15% ليصل إلى 6.26 دينار، بينما أغلق الدولار في السوق الموازية عند 8.21 دينار.

ويعكس هذا الفارق المتسع استمرار الضغط على الدينار الليبي رغم مباشرة مصرف ليبيا المركزي صرف اعتمادات مستندية وتغطية أغراض شخصية بقيمة تتجاوز 2 مليار دولار خلال الشهر الجاري، دون أن ينعكس ذلك بشكل ملموس على تقليص الفجوة أو السيطرة على السوق الموازية التي باتت تتحكم في حركة الأسعار بفعل محدودية النقد الأجنبي عبر القنوات الرسمية.

ويتزامن هذا الاضطراب مع عجز كبير في استخدامات النقد الأجنبي كشف عنه مصرف ليبيا المركزي، حيث سجل العجز نحو 7.8 مليار دولار خلال الأشهر الإحدى عشرة الماضية، إذ بلغت الإيرادات النفطية والإتاوات 20.7 مليار دولار مقابل استخدامات والتزامات بنحو 28.5 مليار دولار، ما اضطر المصرف لتغطية العجز من عوائد استثماراته في الودائع والذهب.

وامتدت مدفوعات النقد الأجنبي لتشمل رواتب العاملين بالخارج، ودعم المؤسسة الوطنية للنفط، والشركة العامة للكهرباء، وجهاز الإمداد الطبي، واعتمادات لجهات عامة، إضافة إلى فاتورة استيراد المحروقات التي تجاوزت 2.6 مليار دولار، وحوالات شخصية بلغت أكثر من 7.5 مليار دولار، واعتمادات مستندية تجاوزت 14 مليار دولار عبر المصارف التجارية.

ويرى خبراء اقتصاد أن هذه المؤشرات تعكس أزمة هيكلية تفشل كل محاولات الإصلاح الاقتصادي في التعامل معها. إذ يشير علي الشريف إلى أن السبب الرئيسي لاستمرار الأزمة يعود إلى الانقسام السياسي الذي دام لأكثر من عشر سنوات، وتعدد مراكز الإنفاق خارج إطار الموازنة العامة، والفساد الإداري والمالي الذي أصاب مؤسسات الدولة، ما أدى إلى تراجع قيمة الدينار، وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض القوة الشرائية للمواطن. ويؤكد الشريف أن تجاوز الدولار حاجز 8 دنانير مؤشر خطير يهدد حياة الليبيين، وقد يدفع نسبة كبيرة منهم إلى خط الفقر في ظل تزايد أسعار السلع الأساسية وهيمنة السوق الموازية على الاقتصاد.

أما الخبير المصرفي سليمان الشحومي فيرى أن تقرير مصرف ليبيا المركزي، رغم كونه الوثيقة الرسمية الوحيدة التي تكشف شهرياً عن الإيرادات والإنفاق، فإنه يثير الكثير من اللبس بسبب عدم وضوح البيانات المتعلقة بالإيرادات النفطية، وتغيير طريقة احتساب الاحتياطيات لتشمل إعادة تقييم الذهب والاستثمارات، ما يفتح باب التساؤلات حول الهدف من هذه الخطوة. كما يشير الشحومي إلى أن أغلب إجراءات المصرف تشبه ردود فعل إدارية أكثر منها سياسات إصلاحية متكاملة، في وقت يجد فيه المصرف نفسه غير قادر على إدارة السياسة النقدية بمرونة نتيجة الانقسام السياسي وتعدد الحكومات.

ويجمع الخبراء على أن أي إصلاح اقتصادي لن ينجح ما لم يتم توحيد السياسات الاقتصادية والمالية، واعتماد حكومة واحدة تدير مؤسسات موحدة بعيداً عن المحاصصة والاعتبارات الجهوية، مع ضمان الشفافية الكاملة في الإيرادات النفطية، وتعزيز المعروض الرسمي من الدولار، ومكافحة التهريب والفساد، وتوفير شبكة أمان اجتماعي دائمة تخفف من أثر انخفاض قيمة الدينار على المواطن.

وفي ظل استمرار الاضطراب السياسي، وسيطرة السوق الموازية على حركة الأسعار، وغياب رؤية اقتصادية واضحة، تبدو فرص نجاح الإصلاحات الحالية محدودة، فيما يظل المواطن الحلقة الأضعف في معادلة اقتصادية معقدة تتطلب حلولاً جذرية لا مجرد إجراءات مؤقتة.