اتفاق تمويل قطر للبعثة الأممية.. دعم للحوار الليبي أم بوابة جديدة للتأثير الخارجي؟

0
112

أثار الاتفاق الذي وقعته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مع الحكومة القطرية لتمويل مشروع “دعم الحوار السياسي المهيكل وتعزيز المشاركة المدنية” موجة واسعة من الجدل، بعدما فتح الباب أمام تساؤلات حول حياد البعثة، وحدود تدخل الأطراف الخارجية في المسار السياسي الليبي، في وقت يشهد البلد واحدة من أكثر مراحله حساسية.

فقد أعلنت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، هانا تيتيه، ترحيبها بتوقيع اتفاقية تمويل مع الحكومة القطرية، ضمن مشروع دعم الحوار السياسي وتعزيز المشاركة المدنية، والذي تنفذه الدوحة بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وأكدت البعثة أن التمويل الجديد سوف يدعم تنفيذ خريطة الطريق التي قدمتها تيتيه لمجلس الأمن وأن المشروع يستهدف تعزيز المشاركة المدنية الواسعة في عملية سياسية “ليبية القيادة والملكية”.

غير أن هذا الإعلان أشعل ردود فعل غاضبة، بدأت من الحكومة الليبية المكلفة برئاسة أسامة حماد، التي أدانت الاتفاق بشدة واعتبرته “تجاوزًا خطيرًا للصلاحيات واعتداءً على السيادة الليبية”، واتهمت البعثة الأممية بالانحراف عن المعايير الدولية وبمحاولة فرض مسارات سياسية من الخارج، معلنة وقف التعامل معها إلى حين تراجعها عن الخطوة وتقديم اعتذار رسمي، ومطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بالتدخل.

موقف مشابه صدر من لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، التي وصفت الاتفاق بأنه “تدخل سافر في السيادة الوطنية” و”إخلال بمبدأ الحياد”. ورأت اللجنة أن انخراط دولة أجنبية في تمويل مسار سياسي يُفترض أنه ليبي–ليبي يمثل تهديداً للعملية السياسية ويفتح الباب أمام محاولات تدويل الأزمة. كما دعمت موقف حكومة حماد وطالبت بمراجعة دور البعثة وإعادة تقييم استمرار وجودها في حال استمرار هذه التجاوزات.

وتباينت مواقف المراقبين السياسيين، بين من طرح تساؤلات فنية وسياسية حول التمويل، وبين من اعتبره مدخلاً جديداً لتأثيرات خارجية. فقد رأت النائبة بمجلس النواب ربيعة أبوراس، أن توقيع السفير القطري يحمل “بعداً سياسياً” يتجاوز الدعم الفني، مؤكدة ضرورة احترام السيادة وشفافية كيفية إنفاق التمويل. وشددت على أن أي دعم خارجي لا يجب أن يتحول إلى أداة لتوجيه الحوار الليبي.

أما الباحث السياسي أسامة الشحومي، فذهب أبعد من ذلك، واعتبر أن التمويل البالغ 15 مليون دولار لن يسهم في حل الأزمة الليبية، بل يطيل عمرها، مرجحاً استخدامه في حملات عبر الإنترنت، ومؤكداً أن الحل في ليبيا “ليبي–ليبي وليس عبر المنح”. كما أشار إلى أن موقف الأطراف الليبية بات واضحاً، وأن العامل الحاسم في المرحلة المقبلة سيكون الموقف التركي، سواء نحو مواجهة جديدة أو نحو دمج الحكومتين بشروط الطرف الأقوى.

وقدم المحلل السياسي محمد امطيريد قراءة أخرى، إذ اعتبر أن قطر التي “ألحقـت ضرراً بليبيا في الماضي” — على حد وصفه — تعود الآن في دور سياسي تحت غطاء دعم الاستقرار، محذراً من تحول التمويل إلى أداة للتأثير على القرار السياسي الليبي. ورأى أن تغيير شكل التدخل لا يعني تغيير الهدف.

وفي مواجهة هذه الانتقادات، أصدرت البعثة الأممية توضيحات حول آلية تمويلها، مؤكدة أن الأمم المتحدة تعتمد على مساهمات الدول الأعضاء في ميزانيتها العادية، إضافةً إلى مساهمات طوعية تُوجَّه لبرامج محددة تحت إدارة المنظمة حصراً. وشددت على أن أي تمويل يخضع لمنظومة رقابة صارمة تشمل الميزانية والمشتريات والتدقيق المستقل، بما يضمن الشفافية ويمنع أي دولة مانحة من التأثير على العملية السياسية أو تحديد جدول أعمالها أو نتائجها.

كما أكدت البعثة أن ما لا يقل عن 13 دولة ومنظمة قد قدمت تمويلاً طوعياً خلال السنوات الماضية لدعم العملية السياسية ومشاريع إزالة الألغام وإصلاح المؤسسات والتهيئة للانتخابات، وأن التمويل القطري يأتي ضمن هذا الإطار ولا يمس استقلالية القرار الليبي. ونددت البعثة بما وصفته بـ“السرديات الزائفة” الداعية للتشكيك في نوايا الاتفاق، مطالبة الأطراف الليبية بالتركيز على إعادة السلطة إلى الليبيين.

وفي ظل هذا الجدل المتصاعد، يبرز سؤال محوري: هل يشكل الاتفاق القطري تحوّلاً في مسار العملية السياسية في ليبيا؟ أم أنه مجرد دعم تقني جرى توظيفه سياسياً من قبل الأطراف المتصارعة؟ وبين المخاوف من تأثير خارجي والطمأنة الأممية بالحياد، تبدو الأزمة الليبية أمام مرحلة جديدة من الاستقطاب، قد تحدد مسار الاستحقاقات المقبلة.