مثلت بداية العام الجاري 2020، مرحلة جديدة في طبيعة الدور التركي في ليبيا، فقد تحول التدخل من سياسي إلى عسكري بشكل واضح وصريح، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، رغم النداءات المطالبة بفرض الاستقرار في المنطقة.
في 2 يناير 2020، صدّق البرلمان التركي، على مشروع قرار يسمح بإرسال قوات تركية إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق في طرابلس، وهو ما كانت له تداعيات كثيرة على الأرض، فبعد مرور أكثر من 6 أشهر، باتت ليبيا مرتعاً للإرهابيين، وبالإضافة إلى ميليشيات الوفاق المتطرفة، بات هناك أكثر من 15 ألف مرتزق سوري، من جماعات متشددة.
وخلال تلك المدة، ظهرت تمركزات عسكرية لضباط أتراك، وباتوا يتحكمون في مطارات وقواعد عسكرية ليبية، بإيذان من حكومة الوفاق- التي تدّعي الشرعية. كل ذلك الدعم كانت وراءه أسباب واضحة وأخرى مبطنة، وجميعها هو لصالح تركيا ومشروعها التخريبي في المنطقة.
الرئيس التركي أردوغان أعلنها صراحة: “إننا نحمي مصالحنا في ليبيا”، ضمن شعارات مطاطة حول دعم الدولة المدنية والديمقراطية التي تمثلها حكومة الوفاق المرتهنة للميليشيات الإجرامية التي تسيطر على نواحي العاصمة طرابلس.
وخلال تلك الأشهر وتحديداً بداية من ديسمبر 2019، مع وصول أول رحلة لمرتزقة سوريين على متن طائرات تركية، مقابل 2000 دولار شهرياً لكل فرد- تتحملها حكومة الوفاق- من أموال الليبيين ومقدراتهم، بات التدخل التركي غاشماً في محاولة لتغيير موازين القوى على الأرض، وهو ما لم يتحقق بفضل بسالة الجنود الليبيين.
ومع احتدام المعارك بين الجيش الليبي وميليشيات الوفاق، دفعت تركيا بطائراتها المسيرة، والتي قصفت منازل المدنيين وشاحنات غذاء وأدوية، ناهيك عن استهداف البُنى التحتية، وهو ما نددت به بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الشهر الماضي.
وتزامنت التحركات العسكرية التركية والدفع بمزيد من المرتزقة والأسلحة، مع تحركات سياسية ومشاورات بين أنقرة وحكومة فايز السراج، لعودة الشركات التركية إلى ليبيا إما لاستعادة مشاريعها التي توقفت، بعد سقوط معمر القذافي 2011 أو بدء أعمال إعمار جديدة، في المدن التي دمرها الطيران التركي حديثاً والناتو قديماً.
وحاولت الحكومة التركية إنجاز عقود جديد، لإصلاح ما دمرته الحرب في ليبيا، على أمل استمرار الأمور في يد حكومة الوفاق، والتي سحب البرلمان الليبي الشرعية منها، ناهيك عن محاولات السيطرة على آبار النفط والغاز.
وتدفع تركيا في الوقت الحالي بتعزيزات عسكرية كبيرة تجاه حقول النفط في الوسط الليبي، لتدعيم ميليشيات حكومة الوفاق، والتي باتت تمتلك أسلحة متطورة أمدتها بها أنقرة، عبر قادة الجماعة الليبية المقاتلة وعلى رأسهم خالد الشريف، والإخواني محمد عماري زايد، والذي يسعى لإنجاز صفقة طائرات انتحارية متطورة، لاحتلال تلك المنطقة عسكرياً (سرت والهلال النفطي).
وساعدت حكومة الوفاق بمؤسساتها التي يسيطر عليها عناصر جماعة الإخوان، ممثلة في البنك المركزي الليبي طرابلس ورئيس الصديق الكبير، لنهب أموال الليبيين، حيث وضعت حكومة الوفاق ودائع تتخطى 8 مليارات دولار في البنك المركزي التركي دون فوائد.
وغيّر الصدّيق الكبير، عمليات إدارة الاحتياطيات المالية وخلق مجموعة من الودائع الزمنية تبلغ مدتها نحو 4 سنوات بدون أي عائد تسمى الودائع الصفرية وصلت قيمتها إلى 8 مليارات دولار أودعت بكاملها في مصرف تركيا المركزي، بما يخدم الاقتصاد التركي في الأساس.
وضمن مخططاتها لنهب ثروات الليبيين، تتطلع أنقرة لإدارة الحقول النفطية، نظير الدعم العسكري والسياسي الذي تتلقاه حكومة السراج، وهو أمر لا ترفضه الوفاق ولا تستطيع رده، فتركيا باتت هي المتحكم الفعلي في مفاصلها.
وتقول تقارير إن تركيا تسعى للحصول على تعويضات لمشروعات الشركات التركية، التي تعطلت وتضررت بسبب أحداث فبراير 2011، وعقد اتفاقيات جديدة لضمان فوائد اقتصادية من عملية تدخلها في ليبيا، بالإضافة إلى الحصول على تعويضات مالية كبيرة نظير خسائرها في 2011.
وأفصح رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي – الليبي مظفر أكسوي، عن ذلك صراحة في يناير الماضي، حين قال إن بلاده تعتزم توقيع اتفاق تعويض مبدئي مع حكومة الوفاق بقيمة 2.7 مليار دولار عن أعمال نفّذت في ليبيا خلال عهد القذافي، وكان من المفترض أن يسددها الأخير قبل حرب 2011، موضحاً أن الاتفاق سيشمل خطاب ضمان بمليار دولار إلى جانب 500 مليون دولار عن الأضرار التي لحقت بالآلات والمعدات إضافة إلى ديون غير مسددة بقيمة 1.2 مليار دولار.