تزايدت حدة التوترات بين محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق عمر الكبير، وفائز السراج رئيس حكومة الوفاق، بسبب تسييل المرتبات وصرف الاعتمادات والمخصصات الخاصة بالطوارئ لمواجهة الظروف الاستثنائية.
وألقى هذا الخلاف الضوء على بعض المحطات السوداء في تاريخ “الكبير” وتسلقه على السلطة منذ سنوات طويلة مضت في ليبيا، فبفضل العلاقات الجيدة التي ربطته بمحمد البخاري، وزير المالية في عهد معمر القذافي، تم تعيينه في عام 1990 رئيسا لمجلس إدارة بنك الأمة.
لم تمر عدة أشهر على تعيين “الكبير” في المنصب الجديد، إلا وأصبح الجميع يتحدث عن اختلاس أموال الشعب وإتمامه لصفقات مشبوهة وتلقيه رشاوى والموافقة على اعتمادات مالية غير قانونية، لصالح كبار رجال الدولة في عهد القذافي وعلى رأسهم خليفة المهداوي وعبد الرحمن السيد، فقررت الوزارة اعفاءه من منصبه في عام 1996، إلا أنه بعلاقاته القوية، أعيد تعيينه في نفس المنصب، بالإضافة إلى عضوية مجلس إدارة الشركة الخضراء التي تنتمي إلى اللجان الثورية للقذافي.
وبعد مرور 4 سنوات فقط، تم القبض عليه لتورطه في قضايا فساد ووجهت إليه اتهامات بإساءة استخدام منصبه في قضية شهيرة عُرفت باسم قضية الـ”6 مليون”، وحُكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات، بالإضافة إلى دفع غرامة مالية قدرها 12 ألف دينار، وشاءت الأقدار أن يكون القاضي الذي حكم عليه هو المستشار إبراهيم أبو شناف وزير الداخلية الحالي.
وعلى الرغم من الحكم الصادر من المحكمة، إلا أنه بعلاقاته القوية برجال الدولة في ذلك الوقت، تمكن من الخروج من السجن بعد قضاء 6 أشهر فقط في سجن الأمن الداخلي في الدريبي في العاصمة طرابلس، وفي العام نفسه اتهم بإهدار المال العام وممارسة الوساطة والمحسوبية.
وبعد أحداث 2011، عين المجلس الوطني الإنتقالي “الكبير” محافظا للبنك المركزي، وهو القرار الذي واجه الكثير من الاعتراضات من قبل الأوساط الليبية، حيث قُدمت شكوتان إلى السلطات المعنية لتعيين الكبير بشكل غير قانوني بسبب عدم خضوعه لقانون الجنسية الليبية لعام 1954 ومسئوليته عن الفساد المالي والإداري، بالإضافة إلى إساءة استخدام المنصب وإهدار المال العام بجانب نهب و إفلاس بنك الأمة.
كما تم تقديم شكوى أخرى ضد رئيس المجلس الوطني الانتقالي لتعيينه الكبير في منصب حاكم مصرف ليبيا المركزي، على الرغم من عدم أهليته لهذه الوظيفة بسبب تاريخه المعروف.
الغريب في الأمر أن “الكبير” لا يزال يعمل كرئيس مجلس إدارة في ABC بنك في المملكة المتحدة والبحرين، الأمر الذي يعني أنه يملك عضويتين ومرتبين من نفس المصرف، وكلاهما ممولان من استثمارات مصرف ليبيا المركزي وهذا تناقض واضح مع القانون.
وفي عام 2014، وبعد الانتخابات الوطنية لمجلس النواب الليبي، أقال رئيس المجلي الوطني الانتقالي “الكبير” وعين مكانه علي سالم الحبري نائب المحافظ بالقيام بأعمال ومهام واختصاصات محافظ مصرف ليبيا المركزي، ولكن الكبير رفض وأعلن ولائه للمؤتمر الوطني، الذي أعيد إحياءه بعد تولي طرابلس من قبل الإسلاميين.
وبعد الاتفاق السياسي في أواخر عام 2015، ووفقا للمادة 15، والتي تنص على ضرورة المشاورة بين مجلس النواب ومجلس الدولة على تعيين شاغلي المناصب القيادية في الدولة، ومنها منصب محافظ البنك المركزي، بجانب الحصول علي موافقة ثلثي المجلس ولكن لم يحدث ذلك.
التقي أعضاء من مجلس النواب مع الكبير في عام 2017، لمناقشة الوضع الاقتصادي في ليبيا، والوضع الاقتصادي للبنك المركزي، وواجهته بمسؤوليته عن الفساد وحقيقة أنه تم فصله منذ 3 سنوات، إلا أنه كرر رفضه وأصر على أخذ أوامر فقط من حكومة الوفاق.
رفض “الكبير” ترك منصبه كان غير مبرر، فإن مرسوم المؤتمر العام منذ عهد القذافي، ينص على أن فترة التفويض لمحافظ البنك المركزي الليبي هي 5 سنوات فقط، والتي تم التصديق عليها من قبل المجلس الوطني الانتقالي، وبالتالي كان يجب أن تنتهي فترة الانتداب في عام 2016 ولم يحدث هذا.
في الفترة التي تولى فيها “الكبير” منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي، تم صرف المليارات على الميليشيات المسلحة، وسمح بأخذ اعتمادات مالية ضخمة لأمراء الميليشيات وقاداتها.
لم يخفى تمويل “الكبير” للإرهاب على أحد، فقد اتهمه السفير البريطاني في ليبيا بيتر ميلت، بأنه أحد أكبر الداعمين للحرب الأهلية في ليبيا، من خلال تخصيص أموال ضخمة لأفراد الميليشيات المسلحة.
وقال “ميلت”: ” في ليبيا يكفي أن يشعر الشاب بالملل ليترك كل شيء ويحمل السلاح، بعد أن ينضم لإحدى المجموعات المسلحة ليتحصل على راتب جيد موقّع من الصديق الكبير محافظ مصرف ليبيا المركزي دون يقدّم أي عمل مفيد”.