أهالي ثلاثة أحياء في طرابلس يستنجدون بـ”الدبيبة” من بطش الميليشيات: “أنقذونا قبل فوات الآوان”

0
321
عماد الطرابلسي
عماد الطرابلسي

كثيراً ما نسمع في ليبيا عن نزوح الآف المواطنون في مختلف المدن بسبب النزاعات المسلحة, ولكن في مناطق غرب العاصمة الليبية طرابلس، والتي تعتبر الأحياء الراقية والمركز التجاري للعديد من العلامات التجارية العالمية، ينزح السكان، بسبب بطش المليشيات المسيطرة على الأمن فيها.

بداية من جزيرة سوق الثلاثاء بالقرب من البحر والمدخل الأول لمنطقة حي الأندلس, ثم قرقارش وصولا إلى السياحية, يعيش سكان هذه الأحياء قمع وتعسف يومي ولا عدالة غير أسلحة مليشيا تنحدر من مدينة الزنتان الجبلية، وتطلق على نفسها اسم “الأمن العام -التمركزات الأمنية”.

انتقل العديد من سكان تلك الأحياء، هربا بسلامتهم إلى وسط المدينة, على الرغم من أن سكان الوسط أيضا يعيشون حالة من الفراغ الأمني ولكن تظل أفضل.

وتحدثت “صحيفة الشاهد” مع عدد من سكان هذه المناطق وقرروا استخدام أسماء مستعارة للحفاظ على حياتهم.

وقالت إحدى الناجيات من بطش الميليشيات في غرب ليبيا, وهي أرملة و أم لثلاثة فتيات: “أخرج لعملي يوميا وأخاف أن أستلم أي مكالمة من العائلة خوفا من سماع خبر اقتحام البيت كما حدث مع جيراننا”.

وأضافت: “إستأجرت شقة في وسط المدينة بالقرب من عملي، وعرضت بيتي للإيجار لأنجو بحياتي وبناتي ووالدتي من بطش تلك العصابات”.

أما عن السبب الذي قررت بعده الخروج من البيت، فكانت حادثة هجوم مسلح على بيت جيرانهم، وقالت: “كان من الممكن أن تكون هي المستهدفة في الهجوم لهذا قررت الخروج، ويمكن أن أخرج من ليبيا أيضا”.

ويقول “وليد” رجل أعمال هرب من بطش الميليشيات، وهو متزوج ولديه أربعة أبناء ومقيم في تونس: “سيأتي يوم وسيهرب الجميع من هذه العصابات”.

وقالت الناجية : “كنت قد وصلت من عملي كطبيب في إحدى المستشفيات العامة وأدخلت السيارة للجراج, وماهي إلا دقائق حتى سمعت صراخ الجيران وتبادل إطلاق نار”.

وتابعت: “دخلت بسرعة إلى الداخل لأطمئن على أمي وبناتي ووجدتهن في حالة رعب، واستمر إطلاق النار قرابة 10 دقائق أو أقل ومن ثم هدأت الأمور”.

وتسائلت الناجية التي رفضت ذكر اسمها خوفا من استهدافها هي وعائلتها، ما إذا كانت الحكومة على علم بهذه الأعمال الوحشية التي تقوم بها مليشيات الزنتان, وقالت: “كيف لا يعلموا بهذه الأمور، هل من المعقول أن الأجهزة الأمنية لا تقدم تقارير عن هذه الأعمال الوحشية؟ يا حكومة أنقذونا قبل فوات الآوان”.

واستطاعت مليشيا الزنتان, ومعهم أفراد آخرون من مناطق مختلفة, السيطرة على العديد من المقار الحكومية في تلك الأحياء الثلاثة بعد تحصل قيادي لمجموعة مسلحة من مدينة الزنتان يدعى “عماد الطرابلسي” على تمويل مباشر من حكومة الوفاق التي كان يترأسها فائز السراج.

ويتخذ “الطرابلسي” من قناة العاصمة السابقة ومصنع التبغ المهجور مقرا لمجموعته, كما أن لديهم مقار أخرى، وكلفه السراج العام الماضي بمنصب نائب رئيس المخابرات.

الغريب في الأمر أن هناك مركز شرطة “نموذجي” داخل حي الأندلس، أشرفت على إعادة بناءه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، إلا أنه لا يوجد قوة فيه ولا يقبل أي بلاغات من الموطنين لعدم وجود سلطة أمنية له.

واستكملت الناجية حديثها قائلة: “بعد أن هدأت الأمور خرجت أمي وتجمع الجيران وسط الشارع ليعرفوا ماحدث، وقال أحدهم أن سيارتان نوع نقل لونها أزرق بدون لوحات وذو زجاج أسود حاولت سرقت سيارة ابن الجيران الذي دافع عنه أخوه وأصيب الأخير في رجله”.

وأضافت: “نحن نعيش في كولومبيا والمكان أصبح مرتعا للأوباش”، كما تصفه.

وتعتبر أحياء السياحية وقرقارش وحي الأندلس محط أنظار المتسوقين في العاصمة طرابلس، كانت قبل سقوط نظام معمر القذافي، من أكثر المناطق أمنا وثراءا وسكانها من نخبة المجتمع.

تطل مبانيها الهادئة على البحر, وتوجد على طول إمتداد تلك الأحياء مقاهي ومطاعم كانت ملاذا للكثير من موظفي البعثات الدبلوماسية والشركات الأجنبية ولكن خرجت بعد أن انقسمت ليبيا في حرب أهلية عام  2014.

بعد أن أحكمت الحكومة الإسلامية المتطرفة في حرب ما تسمى “فجر ليبيا” تلك العام سيطرتها على العاصمة طرابلس, كانت الأحياء الثلاثة تحت رحمة مليشيا مسلحة جميعهم من مكون الأمازيغ ( البربر ).

ويقول عامل في إحدى المقاهي رفض ذكر اسمه: “بشاعة هذه العصابات لا توصف، لم أتخيل يوما أن أرى ممارسة البغاء وتعاطي الخمور علنا دون خوف، كما أراه الآن من قبل هذه المليشيا”.

وبمجرد الدخول إلى حي الاندلس بداية من قاعة الشعب, مقر المؤتمر الشعبي العام ( البرلمان ), التي تشهد جدرانها المحروقة والمدمرة على الانتفاضة التي خرجت ضد نظام القذافي منذ عشر سنوات مضت, تبدأ رحلة المواطن مع عدد لا ينتهي من بوابات ومسلحين ملثمين.

ويجبر المواطنين على الوقوف في طوابير طويلة في إنتظار الوصول إلى بوابة ليجدوا مجموعة مسلحين ملثمين, أغلبهم صغار السن وغير مدربين , ليسألوا “هل السيارة بإسمك؟”.

ومن جانبه قال مواطن ليبي يدعى معاذ، وهو في الثلاثينات من عمره: “سجنت ما يقارب أربعة أيام وضربت يوميا لأنني قلت ” ليس لها إسم ولكن أطلق اسم دلع على سيارتي“ في محاولة مني لتلطيف الأجواء مع تلك المليشيا بالقرب من جسر قرقارش.

وأضاف معاذ: “لم أكمل جملتي حتى انهال عليا بالضرب خمسة أو ستة منهم، حاولوا أصدقائي فض العراك ولكن تعرضوا للضرب هم أيضا، سجنت وتعرضت للإهانة بسبب ما قلت وخرجت بعد أن دفع والدي مبلغ مالي”.

وبالمرور بالسيارة داخل الطريق الرئيسي لهذه الاحياء الثلاثة, كثيرا ماتجد مسلحين في سيارات معتمة يقفون على حافة الطريق مما يتسبب في زحام ولا يستطيع أحد أن يطلب منهم التنحي.

وشهد مراسل صحيفة الشاهد، حادثة وقعت بعد أن دخلت سيارة مصفحة ضد الرصاص لونها أسود، عكس إتجاه السير، وتوقفت أمام محطة البنزين في حي الأندلس وخرج منها شابا وأشعل سيجارة ليتوقف الطريق تماما حتى أنهى ذلك المسلح سيجارته”.

وقال مراسل الصحيفة: “قاموا ثلاثة شباب مسلحين بضرب رجل طلب منهم التنحي وإفساح الطريق للمارة، ضربوه بشكل همجي ولم يتوقفوا حتى فقد الرجل الوعي”.

ويقوم هؤلاء المسلحين التابعين لمليشيا الأمن العام -التمركزات الامنية, بتحميل مقاطع فيديو لهم وهم يحتفلون بعد منتصف الليل بإطلاق النار في الهواء ما يتسبب في ترويع المواطن.

وأظهر فيديو انتشر مؤخرا، مجموعة من مسلحين في منطقة السياحية يقومون بإطلاق الرصاص احتفالا بأمر ما، وطلب من رجل ملتحي أن يطلق هو الآخر قائلين: “هيا يا شيخ, فلتمتعنا”.

كما وقعت حادثة مروعة لشاب ليبي، كان يعيش في الخارج عاد إلى ليبيا لزيارة أهله  في أحد تلك الأحياء الثلاثة, ويقول أحد شهود العيان لموقع صحيفة الشاهد: “قامت مليشيا الزنتان بسكب خمر على ملابس الشاب لتوجه له تهمة شرب الخمر بعد أن طلب منهم عدم فتح جهاز الحاسوب الخاص به”.

وأضاف شاهد العيان: “كنت انتظر صديقي ورأيت كل شيئ بعيني، سكبوا الخمر الذي أخرجه أحد الملثمين من سيارة الدورية على الشاب الذي كان في حالة صدمة ثم أخذوه إلى مقر لهم في منطقة غوط الشعال”.

يقول أحد سكان الأحياء الثلاثة, في الخمسين من عمره: “الحياة هنا أصبحت بائسة وليست التي اعتدناها، دعارة, هجوم مسلح, سرقة سيارات في النهار, عشرات الإستيقافات في شارع واحد, إطلاق رصاص, ومتاجرة مخدرات، وهجرة غير نظامية وغيرها من الأمور التي نشهدها يوميا“.

أضاف أن زوجته توقف عن القيادة بعد أن سرقت سيارتها خلف قاعة الشعب في سطو مسلح.

وتابع: “لم أرى في حياتي هذا الكم من الفوضى وانعدام الأمن، كنت أسافر خارج البلد لمدة قد تصل شهر وأنا أشعر بالأمان على زوجتي وأبنائي، ولكن الآن أخرج لشراء الخبز وأنا أفكر في سلامتي وسلامتهم”.