التصعيد يصل إلى الأمم المتحدة.. ليبيا ترفع خطابها ضد اليونان في معركة الحدود البحرية

0
222

دخل النزاع الليبي – اليوناني حول الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الطاقة مرحلة جديدة من التصعيد الدبلوماسي، مع تقديم البعثة الليبية لدى الأمم المتحدة مذكرة رسمية إلى الأمين العام أنطونيو غوتيريس، عبّرت فيها عن اعتراضها القاطع على ما وصفته بـ”الخطوات الأحادية” التي تتخذها اليونان جنوب جزيرة كريت.

وعلى نحو لافت، تمثل هذه المذكرة أول تحرك رسمي من طرابلس للمطالبة بمناطق بحرية سبق أن خصصتها اليونان للتنقيب، وهو ما يضع حدًا لما كان يُنظر إليه باعتباره قبولًا ضمنيًا من ليبيا بالترسيمات اليونانية. فحتى الآن، كانت المواقف الليبية تصاغ ضمن عبارات تحفّظ دبلوماسي، إلا أن نشر المذكرة وتضمينها خرائط بحرية تستند إلى مذكرة التفاهم مع تركيا، يعكس تغيرًا نوعيًا في موقع ليبيا داخل النزاع القانوني حول شرق المتوسط.

وتضمنت المذكرة الليبية، المؤرخة في 20 يونيو 2025، رفضاً واضحاً لدعوة دولية أطلقتها الحكومة اليونانية لمنح تصاريح التنقيب عن الهيدروكربونات، مشيرة إلى أن المناطق المشمولة بهذه التصاريح تقع ضمن نطاق بحري لا يزال محل نزاع قانوني لم يُحسم بين الطرفين.

وفي لهجة تصعيدية غير مسبوقة، وصفت الحكومة الليبية هذه الخطوة بأنها تمثل تعدياً على حقوق ليبيا السيادية، مشيرة إلى أن الدعوة اليونانية للتنقيب تفتقر إلى أساس قانوني أو اتفاق ثنائي وتشكل انتهاكاً صارخاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

وأكدت المذكرة أن الحكومة أُحيطت علمًا بالقرار من خلال الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي، وهو ما اعتبرته إشارة إلى أن التحرك لم يكن محلياً فقط بل مدعوماً ضمنياً من شركاء أوروبيين، الأمر الذي يضاعف من تعقيدات المشهد.

ورغم تصعيد النبرة، شددت المذكرة الليبية على تمسك طرابلس بالحوار والتفاوض كوسيلة لحل النزاعات البحرية، محذّرة في الوقت نفسه من أن محاولات فرض الأمر الواقع “لن تُفضي إلى تسوية دائمة”، داعية الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتها في منع التوتر وضمان استقرار حوض شرق المتوسط.

ولإسناد موقفها، أرفقت ليبيا بالمذكرة خرائط بحرية تستند إلى مذكرة التفاهم الموقعة مع تركيا في 2019، ما يعيد إحياء الجدل القديم حول شرعية هذه الاتفاقية التي تعتبرها أثينا باطلة وغير قائمة قانونياً.

في المقابل، كشفت وسائل إعلام يونانية أن حكومة أثينا تعتزم الرد رسميًا على المذكرة الليبية داخل الأمم المتحدة، مشيرة إلى أن الموقف الليبي لا يحمل جديداً وأن الحكومة اليونانية ستمضي في ممارسة حقوقها السيادية، مع التأكيد في الوقت ذاته على الاستعداد للحوار مع ليبيا ضمن إطار اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ولكن من دون الاعتراف بأي آثار قانونية مترتبة على الاتفاق الليبي–التركي. 

كما نقلت الصحف اليونانية رفضاً صريحاً لإدراج جزيرة كريت ضمن ترتيبات ترسيم الحدود البحرية الليبية، معتبرة أن المذكرة والخرائط المرفقة تقوّض الواقع الجغرافي والقانوني للمنطقة. 

وتعكس هذه التطورات تحول النزاع البحري بين ليبيا واليونان إلى ساحة مواجهة دبلوماسية مفتوحة، تتجاوز الحسابات الثنائية لتلامس توازنات إقليمية معقدة تتداخل فيها ملفات الطاقة والتحالفات البحرية والسيادة القانونية.

في المقابل، تواصل اليونان الدفع باتجاه تكريس أمر واقع ميداني مدعوم بمناقصات دولية واستثمارات من شركات طاقة كبرى مثل “إكسون موبيل” و”توتال”، ما يعقّد احتمالات التوصل إلى تفاهم سريع. 

وتُظهر المسوحات الزلزالية التي أُجريت خلال عامي 2022 و2024 أن عمليات التنقيب باتت في مراحل متقدمة، فيما تحذر طرابلس من أن أكثر من 85% من الكتل المطروحة تقع ضمن نطاقها البحري، وترفع هذه المعطيات منسوب التوتر، وتطرح تساؤلات حول ما إذا كان التفاوض القانوني قادراً وحده على وقف مسار التصعيد القائم على الأرض.

وبينما تراهن طرابلس على تدويل الاعتراض وكسب الشرعية القانونية عبر الأمم المتحدة، تراهن أثينا على التحرك الميداني وفرض وقائع جيوسياسية بدعم من الاتحاد الأوروبي. 

وبذلك، يصبح التصعيد الحالي اختباراً لقدرة المجتمع الدولي على ضبط إيقاع الخلافات في شرق المتوسط، قبل أن تنزلق إلى مستويات أكثر حدة يصعب احتواؤها لاحقاً.