ليبيا بين إصلاح الدعم واستياء الشارع.. هل يتحمل المواطن ثمن الأزمة؟

0
116

تتزايد حالة الغضب في الشارع الليبي مع تصاعد الدعوات لإلغاء دعم الوقود والمياه والكهرباء، وهي دعوات تكررت خلال الفترة الأخيرة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد.

ورغم أن هذه الدعوات ترتكز على مبررات مالية تتعلق بضبط الإنفاق وتحقيق الاستدامة ومكافحة تهريب الوقود، إلا أنها تُقابل برفض شعبي واسع، حيث يعتبر كثير من الليبيين أن رفع الدعم في الوقت الحالي يمثل عبئًا إضافيًا على المواطن لا يمكن تحمله.

المطالبات بترشيد الدعم أو إلغائه جاءت من شخصيات اقتصادية وسياسية نافذة، من بينها محمد الرعيض، رجل الأعمال المعروف وعضو مجلس النواب المقاطع، الذي أثارت تصريحاته الأخيرة خلال المنتدى الاقتصادي الليبي جدلًا واسعًا، فقد دعا الرعيض إلى رفع الدعم عن الكهرباء والمياه والوقود، معتبرًا أن ثقافة المواطن الليبي هي المسؤولة عن تردي الأوضاع الاقتصادية.

وأشار إلى أن ضعف مرتبات الموظفين لا يتحمله صانعو القرار، بل يعود إلى ما وصفه بـ”ثقافة الاعتماد على الدولة”، كما اعتبر أن نظام التعليم الحالي يخلق ضغطًا على سوق العمل، بسبب الدفع الكبير نحو التعليم الجامعي والتوظيف الحكومي.

هذه التصريحات أثارت موجة غضب واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أطلق ناشطون حملة لمقاطعة منتجات شركة “النسيم” التي يملكها الرعيض، واعتبروا تصريحاته انعكاسًا لـ”نظرة التاجر” التي تتجاهل معاناة المواطن اليومي في مواجهة الغلاء والبطالة وتدهور الخدمات، وانتقد كثيرون تحميل الناس مسؤولية أزمة اقتصادية ناتجة بالأساس عن الفساد وسوء الإدارة، حسب تعبيرهم.

كما اقترح رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد دبيبة، في كلمته خلال المنتدى الاقتصادي الليبي، ثلاثة بدائل لدعم الوقود، تشمل منح الدعم نقدياً للمواطنين، زيادة المرتبات، أو تخصيص حصة من الوقود المدعوم لكل مواطن باستخدام بطاقات وقود.

وأشار دبيبة إلى أنه تعرض لحملة ممنهجة من مهربي الوقود عندما تحدث عن هذا الملف سابقاً، مؤكداً ضرورة أن توضح مؤسسات الدولة للشعب كيفية تجنب هدر الأموال المخصصة لدعم الوقود.

والأسبوع الماضي دعا محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى، إلى مراجعة سياسة دعم المحروقات واستبدال الدعم النقدي بها، خلال لقائه مع رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، أسامة حماد.

وكان صندوق النقد الدولي دعا عقب مشاورات المادة الرابعة مع مصرف ليبيا المركزي مؤخراً، إلى إصلاح نظام الدعم تدريجيًا، ومراجعة دعم الأجور والطاقة بشكل منتظم.

في المقابل، يرى خبراء اقتصاديون أن سياسة الدعم المكثف التي تنتهجها الدولة الليبية منذ سنوات تستهلك جزءًا كبيرًا من الميزانية العامة دون أن تصل فعليًا إلى مستحقيها، مؤكدين أن رفع الدعم أو إعادة توجيهه يجب أن يكون جزءًا من خطة إصلاح شاملة لا تستثني محاسبة الفساد، وتركز على العدالة الاجتماعية، وتحسين مستوى المعيشة بالتوازي مع أي خطوات تقشفية.

ومع استمرار الجدل حول مستقبل الدعم، يتزايد القلق من اتساع الفجوة بين صانع القرار والمواطن، خاصة في ظل غياب رؤية اقتصادية موحدة بين الحكومتين المتنافستين في الشرق والغرب، مما يعمق حالة الشك والرفض الشعبي لأي إجراءات قد تُحمّل المواطن فاتورة الأزمة وحده.