هل يستطيع مصرف ليبيا المركزي جمع حكومتي دبيبة وحماد على ميزانية واحدة؟

0
174

في خطوة تعكس تصاعد الضغوط الاقتصادية على البلاد، بدأ مصرف ليبيا المركزي في تحركات متسارعة لجمع شطري السلطة المنقسمة، حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد دبيبة، والحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، على طاولة واحدة بهدف التوافق حول ميزانية موحدة، في ظل أزمة نقدية ومعيشية باتت تهدد استقرار الدينار الليبي وتضاعف أعباء المواطن.

في بنغازي، اجتمع رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب أسامة حماد مع محافظ المصرف المركزي ناجي عيسى ونائبه مرعي البرعصي، في لقاء ناقش بوضوح تداعيات الإنفاق العام المرتفع على الوضع الاقتصادي، حيث وصف حماد المصرف بأنه “الركيزة الأساسية” لمسار الإصلاح المالي، مؤكدًا أن تحقيق الاستقرار المالي يتطلب تنسيقًا واسعًا مع المؤسسة النقدية لضبط السيولة وتحديد أولويات الصرف.

وخلال الاجتماع، أعلن حماد عن حزمة إصلاحات تستهدف معالجة العجز المتفاقم، أبرزها تحسين إنتاج النفط، إنهاء نظام المبادلة الخاص بتوفير الوقود، تفعيل قانون المرتبات الموحد لضمان العدالة الاجتماعية، دعم المشروعات الصغيرة، وتحديث منظومة الجمارك والتعريفات الجمركية لحماية الاقتصاد المحلي، إلى جانب تعديل الضرائب المفروضة على الشركات الكبرى وتطوير آليات المؤسسة الليبية للاستثمار، مع توحيد الأجهزة الرقابية والمحاسبية لمكافحة الفساد المالي.

محافظ المصرف المركزي، بدوره، لم يتردد في وصف الإنفاق العام بأنه “أخطر تحدي” يواجه الاقتصاد الليبي، محذرًا من العجز المتنامي في النقد الأجنبي بسبب تضخم الطلب وتراجع القدرة على تغطيته.

وأكد أن الاستمرار في رفع بند المرتبات وتجاهل ترشيد الدعم، خاصة دعم المحروقات، سيُفاقم العجز المالي، داعيًا بشكل صريح إلى الاتفاق السياسي على ميزانية موحدة بين الحكومتين، باعتبارها حجر الأساس لاستعادة الاستقرار المالي وإنقاذ الدينار الليبي.

في موازاة ذلك، عقد عبد الحميد دبيبة اجتماعًا مماثلًا مع محافظ المصرف المركزي، ناقش فيه ذات الملفات، لكنه أبدى حرصًا واضحًا على الشفافية، معبرًا عن تقديره لإفصاح المصرف لأول مرة عن أرقام الإنفاق الفعلي.

وانتهى اجتماع دبيبة مع محافظ المصرف المركزي بتفاهم مبدئي بين الجانبين على ضرورة إصلاح السياسات الاقتصادية وتنسيق الجهود لتعزيز الإيرادات وتحقيق استدامة مالية، مع الحفاظ على استقرار سعر الصرف ودعم قيمة الدينار الليبي.

ناجي عيسى، أكد أن مصرف ليبيا المركزي يقود جهوداً مكثفة من أجل كبح تدهور قيمة الدينار الليبي، ويسعى لتقوية الاقتصاد الوطني عبر سياسات موحدة وشاملة، بالتنسيق مع جميع الأطراف ذات العلاقة، مشدداً على أن الوضع الاقتصادي يتطلب قرارات جريئة، وتعاوناً وطنياً واسعاً، لتفادي سيناريوهات الانهيار الاقتصادي.

وأشار إلى أن الطرفان رحبا بالتعاون المشترك لتنفيذ حزمة الاصلاحات الاقتصادية المقترحة، وسوف يتم بدل كافة الجهود لدعم تنفيذ خطة المصرف المركزي في مسيرة الاصلاح.

ولفت إلى أن رئيس الحكومة الليبية المكلفة رحب بعقد لقاء مشترك مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية لتغليب مصلحة الوطن، ولأجل رفع المعاناة عن المواطن، ولضمان تحقيق الأهداف المرجوة.

وتتفق ملاحظات الطرفين، دبيبة وحماد، على أن مصرف ليبيا المركزي يمثل الجسر الوحيد المتبقي لتقريب وجهات النظر بين الحكومتين، خاصة مع تأكيد المحافظ أن توحيد الميزانية شرط حتمي لتقليص العجز، وضرورة لإعادة بناء الثقة الدولية والمحلية في مؤسسات الدولة الليبية.

ورغم ما يبدو من تفاهمات اقتصادية مبدئية، تبقى الأزمة السياسية العميقة التي تعيشها ليبيا العائق الأكبر أمام أي مسعى حقيقي لتوحيد الميزانية، بينما يترقب الشارع الليبي ما إذا كان المصرف المركزي سينجح في مهمته المعقدة، أم أن الخلافات السياسية ستظل تطيل أمد الانقسام المالي، وتُبقي الدينار الليبي تحت ضغط دائم.