تعد ليبيا من الدول الغنية بالنفط، الذي يفترض أن يكون ركيزة أساسية للنهوض بالاقتصاد وتحقيق الرفاهية لمواطنيها، ومع ذلك، ورغم هذه الثروات، تعاني ليبيا من فساد مستشرٍ في مختلف مؤسساتها، مما جعلها تحتل مراكز متأخرة في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لسنوات عديدة.
وحلت ليبيا في المرتبة الـ173 من 180 دولة بمؤشر مدركات الفساد لعام 2024 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، أمس الثلاثاء، متراجعة عن العام الماضي بثلاث مراتب، فما هي أسباب هذا التراجع؟ وما التحديات التي تحول دون إصلاح الوضع؟
ومؤشر مدركات الفساد هو مقياس عالمي يعكس مستوى الفساد في القطاع العام للدول بناءً على تقييمات الخبراء ورجال الأعمال. يتم تصنيف الدول على مقياس من 0 (الأكثر فسادًا) إلى 100 (الأكثر نزاهة).
وفي السنوات الأخيرة، حافظت ليبيا على تصنيف منخفض جدًا، مما يشير إلى أن الفساد أصبح جزءًا متجذرًا في هيكل الدولة، يصعب تجاوزه دون إصلاحات جذرية.
ومنذ سقوط نظام القذافي عام 2011، دخلت ليبيا في دوامة من الصراعات بين حكومات متناحرة وميليشيات مسلحة، ما أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة وانتشار الفوضى، وفي ظل هذا الوضع، أصبح الفساد وسيلة للبقاء في السلطة، حيث تُستخدم الأموال العامة لتعزيز النفوذ السياسي والعسكري.
ورغم وجود مؤسسات مثل ديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد، إلا أنها تعاني من ضعف الاستقلالية والتدخلات السياسية، مما يمنعها من أداء دورها بفعالية، كما أن غياب سلطة قضائية قوية ومستقلة يُسهم في إفلات الفاسدين من العقاب، مما يعزز ثقافة الإفلات من المساءلة.
ويعتمد الاقتصاد الليبي بشكل أساسي على النفط، لكن هذه الثروة أصبحت نقمة بدلًا من نعمة، حيث يتم استغلالها من قبل مجموعات متنفذة لصالحها بدلاً من توجيهها لخدمة المواطنين. التقارير تشير إلى أن المليارات من عائدات النفط تُهدر أو يتم تهريبها، في حين يعاني المواطن الليبي من تدهور الخدمات الأساسية.
كما أن الميليشيات المسلحة ليست فقط لاعبًا سياسيًا، بل أصبحت تتحكم في موارد الدولة أيضًا، حيث تفرض ضرائب غير قانونية، وتستولي على المؤسسات العامة، وتُجبر الحكومة على دفع أموال لضمان استمرار عمل بعض المرافق الحيوية. هذا الواقع يعزز الفساد، حيث يتم توزيع المناصب والموارد بناءً على الولاءات وليس الكفاءة.
في ظل الفوضى السياسية والأمنية، أصبح الحديث عن الفساد خطرًا يهدد الصحفيين والناشطين. غياب حرية الإعلام وقيود العمل على منظمات المجتمع المدني يقللان من فرص فضح الممارسات الفاسدة، مما يجعل الفاسدين أكثر جرأة في سرقة المال العام.
وفقًا لأحدث التقارير الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية، جاء ترتيب ليبيا في مؤشر مدركات الفساد خلال السنوات الأخيرة على النحو التالي:
عام 2020: حصلت ليبيا على درجة 17، واحتلت المرتبة 173 من أصل 180 دولة.
عام 2021: حصلت على نفس الدرجة 17، وتراجعت إلى المرتبة 174.
عام 2022: ارتفعت درجتها إلى 18، وتقدمت إلى المرتبة 171.
عام 2023: حافظت على درجة 18، وتقدمت إلى المرتبة 170.
عام 2024: حصلت على درجة 13 وتراجعت إلى المرتبة 173.
ويعكس هذا التذبذب في الترتيب استمرار التحديات المرتبطة بالفساد في ليبيا، ويؤكد الحاجة الملحة إلى تنفيذ إصلاحات جذرية لتعزيز الشفافية والمساءلة في مؤسسات الدولة.
ورغم التحديات الكبيرة، هناك خطوات يمكن أن تساعد في تحسين وضع ليبيا في مؤشر الفساد، ومنها: إصلاح النظام القضائي ليصبح أكثر استقلالية وقدرة على محاسبة الفاسدين، تعزيز دور المؤسسات الرقابية ومنحها صلاحيات أوسع، تحسين إدارة الموارد النفطية لضمان توزيع عادل للعائدات، دعم الإعلام والمجتمع المدني لفضح الفساد وتعزيز الوعي العام، وتفكيك نفوذ الميليشيات وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
ويرى مراقبون أن الفساد يعد أحد أكبر العوائق أمام استقرار ليبيا وتنميتها، حيث يؤثر سلبًا على الاقتصاد والخدمات العامة والحياة اليومية للمواطنين، وتحتاج ليبيا إلى إصلاحات جذرية وإرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد، واستعادة الثقة في مؤسسات الدولة، مما يساعدها على تحسين ترتيبها في مؤشر مدركات الفساد في المستقبل.
- ليبيا في مؤشر مدركات الفساد.. لماذا تستمر في المراتب المتأخرة عالميًا؟
- القاهرة تستضيف اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5
- الشفافية الدولية: ليبيا ضمن أكثر 10 دول فساداً في العالم خلال 2024
- مؤسسة النفط تناقش مشاريع الوطنية للحفر ومصحة طرابلس ومركز البحوث لـ2025
- هيئة الرقابة الإدارية الليبية تناقش سبل تطوير أدائها وتعزيز آليات مكافحة الفساد