المحكمة الدستورية العليا.. صدام متصاعد بين البرلمان والمجلس الرئاسي

0
255

يتفاقم التوتر بين المجلس الرئاسي الليبي ومجلس النواب حول تأسيس المحكمة الدستورية العليا، مما يعكس أزمات متراكمة بين المؤسستين حول تداخل الصلاحيات وتأثيره على استقلال السلطة القضائية.

والسبت، بعث رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، رسالة إلى رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، طالب فيها بإلغاء قانون المحكمة الدستورية، معتبراً أن القانون يفتقر للدستورية ويمثل محاولة مستمرة من البرلمان للهيمنة على القضاء من خلال تشريعات أحادية ودون شفافية.

واتهم المنفي مجلس النواب بتجاوز اختصاصاته عبر إدخال تعديلات غير مبررة على القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية، مما يمس التوازن بين السلطات ويخل بالتكامل المؤسسي المنشود.

وأكد أن تعيين البرلمان لمستشارين قضائيين وأداءهم لليمين القانونية بموجب قانون مطعون في دستوريته يمثل خطوة غير دستورية، ويحذر من أن استمرار تجاهل البرلمان لأحكام القضاء قد يؤدي إلى تدهور الاستقرار ويفتح الباب أمام صراعات مستقبلية.

ولم تكن هذه المرة الأولى لمعارضة المجلس الرئاسي، ففي سبتمبر الماضي تصاعد الجدل حول هذه المسألة عندما أدى مستشارو المحكمة الدستورية العليا اليمين القانونية أمام مجلس النواب، مما اعتبره المجلس الرئاسي تحدياً لرفضه مشروع قانون المحكمة.

ويعود أصل الأزمة إلى قرار مجلس النواب في ديسمبر 2022 بإنشاء محكمة دستورية في بنغازي كبديل للدائرة الدستورية في طرابلس، وتبع ذلك خطوات إضافية في يونيو 2023 بتعيين أعضاء المحكمة، مما أثار استياء المجلس الرئاسي واعتبره محاولة لتغيير النظام القضائي في البلاد.

وسارع المجلس الرئاسي إلى إصدار بيان اعتبر فيه توقيت تفعيل القانون مثيراً للقلق، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تزيد من حدة الانقسام السياسي وتعقيد المشهد الوطني، وتمنح مجلس النواب سلطة كبيرة في تشكيل المحكمة واختيار أعضائها، مما يعزز نفوذ البرلمان ويضعف توازن السلطات.

بدورها، أصدرت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في طرابلس حكماً في يونيو 2023 بعدم دستورية قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا، كما رفضت عدة جهات حقوقية تأسيس المحكمة في بنغازي باعتباره غير دستوري.

ومع ذلك، دافع برلمانيون عن حق مجلس النواب في سنّ القانون، في حين يؤكد المجلس الرئاسي أن التشريع يجب أن يستند إلى أسس دستورية تخدم المصلحة العامة، بعيداً عن الاستغلال السياسي.

واستمرت الأزمة في التفاقم بعد أن أعلنت بلدية بنغازي، في 19 سبتمبر الماضي، عن افتتاح مقر المحكمة الدستورية العليا، بحضور عدد من أعضاء مجلس النواب ومسؤولين قضائيين، مما اعتبره المجلس الرئاسي محاولة لترسيخ المحكمة الجديدة رغم الاعتراضات القانونية والدستورية.

وفي السابق، عبر المجلس الرئاسي عن قلقه من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعميق حالة الانسداد السياسي، متهماً مجلس النواب بالسعي لتوسيع سلطاته على حساب استقلال القضاء.

ورأى المجلس الرئاسي أن هذه الإجراءات، التي تمنح البرلمان القدرة على تشكيل المحكمة واختيار أعضائها، تُضعف مبدأ التوازن بين السلطات، وتفتح المجال لهيمنة مؤسسة واحدة على حساب المؤسسات الأخرى، مما يهدد تماسك الدولة ووحدة السلطة القضائية، مع المطالبة بضرورة أن تكون التشريعات متوافقة مع المرحلة الانتقالية ومتطلبات الدولة، بدلاً من استخدامها كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية.

تجسد هذه الأزمة تراكمات من الخلافات بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب حول توزيع الصلاحيات وسبل الحفاظ على توازن القوى داخل الدولة.

ومع تصاعد هذا النزاع حول المحكمة الدستورية، يبدو أن العلاقة بين المؤسستين تتجه نحو مزيد من الانقسام، مما قد يهدد استقرار المشهد السياسي الليبي برمته إذا لم يتم الوصول إلى تسوية قانونية تحظى بقبول جميع الأطراف المعنية، بعد صدام حول مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي.